خاص الهديل…
قهرمان مصطفى
شهد السودان منذ استقلاله عام 1956 موجة متواصلة من الانقلابات العسكرية، حتى بات اسم السودان مقترناً بالتقلب السياسي وتناوب الجنرالات على كرسي الحكم أكثر من تعاقب الحكومات المدنية؛ فحصيلة المحاولات الانقلابية بلغت تسعة عشر محاولة، سبعٌ منها نجحت، جعلت السودان يتربع على عرش أكثر الدول الأفريقية انقلاباً، وثاني أكثر دول العالم بعد بوليفيا منذ خمسينيات القرن الماضي.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: ماذا جنت البلاد من هذه الانقلابات؟ ماذا قدّم العسكر للسودان سوى مزيد من الانقسامات والدمار؟ وهل كان انقلاب البرهان على إرث البشير في 25 أكتوبر 2021 سوى حلقة جديدة في سلسلة فشلٍ طويلة؟
في أبريل 2023، تفجّرت المواجهة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع – وهما جناحان من ذات الحكم العسكري – فتحوّل النزاع من خلاف على السلطة إلى حرب أهلية شاملة، لا سيما في الخرطوم ودارفور، ليغرق الوطن أكثر في مستنقع الانهيار.
المجلس الانتقالي الذي تعهد في بدايته بحكم مؤقت لمدة عامين، يسلم بعدها السلطة لحكومة مدنية، لم يفِ بشيء. بل بعد أكثر من خمس سنوات، وجد السودانيون أنفسهم وسط صراع دموي بين العسكريين أنفسهم، تتساقط فيه المدن، وتُزهق فيه الأرواح، بينما تقترب البلاد من تقسيم ثانٍ بعد أن خسر الجنوب في عهد البشير.
في هذا المشهد القاتم، برزت مواقف دولية عدة، بينها الموقف الإماراتي بوصفه صوتاً مختلفاً، لا ينحاز إلى طرف على حساب آخر، بل يقف مع الشعب السوداني وحقه في العيش بسلام. ففي “مؤتمر لندن حول السودان”، الذي لم يعترف بأي من طرفي الصراع، حملت الإمارات صوت الشعب، وسلطت الضوء على المأساة الإنسانية والفظائع الواسعة، خصوصاً في دارفور.
أدانت الإمارات الانتهاكات بشدة، وطالبت بمحاسبة المسؤولين عنها، مؤكدة أن لا الجيش ولا قوات الدعم السريع يمثّلان إرادة السودانيين، ولا يمكن لأيٍ منهما تحقيق الاستقرار. كما دعت الأمم المتحدة إلى تبنّي نهج أكثر تماسكاً، ومواجهة استخدام الغذاء كسلاح في وجه المدنيين.
وبين كل هذه التحركات، يبقى السؤال الأعمق: هل يستطيع السودان أن يخرج من دائرة الانقلابات المزمنة؟ هل سيتوقف نزيف الخرائط والدماء؟ وهل ما زال هناك أملٌ في مستقبل تقوده الإرادة الشعبية لا فوهات البنادق؟