خاص الهديل…
قهرمان مصطفى
منذ لحظة سقوط الاتحاد السوفيتي في ديسمبر 1991، تشكّلت ملامح نظام عالمي جديد تقوده الولايات المتحدة منفردة.. ولأكثر من ثلاثة عقود، مارست واشنطن دور “الشرطي الدولي”، وفرضت رؤيتها ومصالحها على خرائط السياسة والاقتصاد والحرب؛ ولكن، تحت هذا النفوذ المطلق، دفع الشرق الأوسط الثمن الأغلى: العراق تمزق تحت رايات “الحرية”، وسوريا وليبيا واليمن والسودان تحولت إلى خرائط من الرماد، بذريعة “الربيع العربي” الذي لم يُزهر سوى بالفوضى والدمار.
وعليه، فاليوم، ومع تصاعد الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، تبدو الفرصة سانحة أمام العالم لإعادة تشكيل موازين القوى، وإنهاء عقود من الغطرسة الأمريكية؛ فالحرب التجارية التي أطلقها البيت الأبيض، خاصةً في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، لم تكن مجرد أداة اقتصادية، بل محاولة يائسة للحفاظ على مركز مهتزّ في نظام دولي يتغيّر بسرعة.
ترامب أعاد للأذهان حقبة مظلمة من التاريخ الأمريكي، حينما أقر الرئيس الجمهوري هربرت هوفر “قانون سموت-هاولي” عام 1930، والذي رفع الرسوم الجمركية بشكل غير مسبوق على آلاف السلع المستوردة. النتيجة؟ ركود اقتصادي كارثي، انهيار صادرات، بطالة قياسية، وغضب شعبي أسقط هوفر وأطاح بمشروعه. ومع ذلك، يبدو أن التاريخ لم يُقرأ جيدا في البيت الأبيض.
على الجانب الآخر، اتخذت الصين نهجاً مختلفاً، يقوم على بناء مفهوم “القوة الوطنية الشاملة”، التي تجمع بين النفوذ العسكري، والتقدم الاقتصادي، والتكنولوجيا، والدبلوماسية الناعمة. هذا النهج جعل من بكين رقماً صعباً في معادلة القيادة العالمية، قادراً على الرد بندّية على أي استفزاز أمريكي.
اليوم، لا بد أن تدرك الدول التي تتعرض لابتزاز التعريفات الجمركية الأمريكية – وعددها نحو 60 دولة – أن الاصطفاف خلف الصين ليس انحيازاً جيوسياسياً فقط، بل خطوة استراتيجية لتقويض نظام القطبية الواحدة، وخلق توازن جديد يضع حداً لعقود من التبعية والاستغلال.
فهل ينجح العالم في استغلال هذه اللحظة الفارقة؟ وهل تتحول الحرب التجارية إلى بداية النهاية لعصر الهيمنة الأمريكية؟ التاريخ، كما يقولون، لا يعيد نفسه، لكنه يترك لنا إشارات واضحة لمن يريد أن يفهم.