الهديل…..
بإسم “المناصفة”.. تُغتال أصوات البيارتة
مرة جديدة، تُستَخدم عبارة “المناصفة” كغطاء ناعم لتمرير قوانين تُفصَّل على قياس الزعامات، وتُحبَك بخيوط المحاصصة.
هذه المرة، المشهد في بيروت، والصيغة عنوانها “اللائحة المقفلة” في الانتخابات البلدية.. خطوة يُعدّ لها داخل مجلس النواب، وتُمرّر وكأنها مجرد تفصيل تقني، فيما هي في الحقيقة ضرب مباشر للديمقراطية، ولمستقبل مدينة بأكملها.
فبحسب ما أوردته قناة “الجديد”، قانون تعديل القانون الانتخابي البلدي مطروح على طاولة مجلس النواب هذا الخميس.. الاتجاه؟ اعتماد اللوائح المقفلة في البلديات الكبرى، وعلى رأسها بيروت؛ وما يُقال في الكواليس أن الانتخابات ستُجرى في موعدها، لكن الحقيقة أن مضمون هذا التعديل كفيل بقتل معناها بالكامل.
اللوائح المقفلة تعني لائحة واحدة مسبقة الصنع، معدّة خلف أبواب مغلقة بين الأحزاب، تُفرض على الناخبين فرض.. ما من خيار، ما من منافسة حقيقية، ما من فرصة لمرشح مستقل أو لصوت جديد أن يخرق هذا الجدار الحزبي السميك؛ فالناس يُطلب منها أن تصوّت، لا أن تختار.
وهنا بيت القصيد: هذه ليست ديمقراطية. هذا قمع ناعم، وتلغيم لصندوق الاقتراع من الداخل.
في بيروت، هذا الطرح هو أخطر مما يبدو، إنه محاولة متعمّدة لتغيير هوية المدينة، لتهميش أهلها، ولإخراج المستقلين من المعادلة، ولضمان وصول مجالس بلدية مشلولة، محكومة بالتوازنات لا بالكفاءة، بالعُقد لا بالحلول.
ولا شك بأن اعتماد هذا القانون سيجد الجيل الجديد، الذي ينادي بالتغيير نفسه محاصراً بقانون يمنعه من الترشّح، من المحاولة، من الحلم، وعليه ستنخفض نسبة الاقتراع، ويرتفع الإحباط، والمجلس البلدي المقبل سيكون صورة طبق الأصل عن المجالس السابقة: عاجز، ضعيف، ومرتهن.
وما يجعل الصورة أكثر قتامة هو تواطؤ البعض مع هذا الطرح، بحجة أن “المناصفة” تحتاج إليه. أي مناصفة هذه التي تُبنى على مصادرة القرار؟ أي عدالة هذه التي تلغي التنوّع؟ كل العالم، بحسب التبريرات، يريد “مناصفة” لحساب بيروت؛ لكن الحقيقة أن مَن سيستفيد من هذه الصفقة هم قلّة، تُرتّب اللوائح على الطاولة وتوزّع الأدوار، وتُبقي على المدينة مجرد ساحة نفوذ…