خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
هناك حالياً نظرية تسود أوساطاً عربية عميقة وبعضها موجود على رأس دول وحكومات؛ ومفادها يمكن تلخيصه بالنقاط التالية:
النقطة الأولى تقول أن سيناريو الربيع العربي الذي بدأ في العام ٢٠١١ لم ينته ولكنه انكفأ لأسباب عديدة وهو الآن يعود ولكن بعد إجراء تعديلات مهمة عليه.
النقطة الثانية تتعلق بالسؤال لماذا انكفأ سيناريو الربيع العربي ولماذا يعود اليوم؟؟..
حصل هذا الانكفاء نتيجة أن الفكرة الرئيسة التي كان المشروع يقوم عليها ثبت فشلها.. وهذه الفكرة قالت حينها ان الشرق الأوسط وصل إلى سن اليأس وصار مطلوباً تغيير أنظمة الحكم فيه وتجديد دمه السياسي والاقتصادي، الخ..
وحينها التقط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا الطرح واشترى منه الرئيس الأميركي باراك أوباما فكرة أن ترعى أنقرة قيام أنظمة إسلاموية في الدول العربية. ولكن نخباً حاكمة حول أوباما آنذاك لاحظت أن تركيا بمفردها لا تستطيع لأسباب عديدة منها حساسيات العلاقات التاريخية بينها وبين العرب، القيام بهذه المهمة وأن المطلوب أن تقوم بهذا الأمر بالتحالف مع دولة عربية وازنة؛ وكان القرار أن يتم تغيير النظام في مصر ليجلس على رأسه الإخوان المسلمين وهكذا تقوم تركيا أردوغان ومصر الإخوان بقيادة مشروع تغيير أنظمة الشرق الأوسط الاساسية.. غير أن هذا المشروع واجه تعثرات كثيرة جعلت الجهات الداعمة له تقرر تجميده ولاحقاً قررت استئنافه ولكن بعد إجراء تعديلات جوهرية عليه.
ما هي هذه التعديلات؟؟
أبرزها تصغير المساحة المطلوب إحداث تغيير فيها؛ فبدل أن تكون منطقة الشرق الأوسط تصبح فقط منطقة المشرق العربي: سورية والأردن ولبنان والعراق والمناطق الفلسطينية المحتلة؛ أي غزة والضفة الغربية.
التغيير أو التعديل الثاني تمثل بإستمرار دور تركيا كراعية لهذا المشروع وباستمرار الاعتماد على الإسلام الحركي ليحلوا في السلطة؛ ولكن مع إضافة نظرية تقول انه ليس بالضرورة أن يكون الإخوان المسلمين هم الحاكمون الجدد بل يمكن أن يتم تقديم سلفيين متطرفين للقيام بمهمة الحكم وذلك بعد أن يتم تغيير أفكارهم ونقلهم من حالة التطرف الإسلامي إلى حالة الاعتدال وقبول التنوع في الحكم، الخ..
والواقع أن أحمد الشرع الذي تحول من أمير في داعش والقاعدة وهيئة تحرير الشام إلى رئيس للجمهورية السورية هو خير مثال على تطبيقات هذه النظرية السائدة اليوم والمسماة اصطلاحاً بإحداث يالطا جديدة في المشرق العربي.. أو بكلام أدق استكمال مشروع الربيع العربي الذي بدأ عام ٢٠١١ من حيث توقف؛ ولكن هذه المرة حصراً داخل حدود منطقة المشرق العربي.
النقطة الثالثة في مشروع تغيير المشرق العربي قد لا يؤدي إلى تغيير خرائط وحدود ولكنه سيؤدي إلى توزيع نفوذ وديموغرافيات على أسس جديدة.
ويجب هنا لحظ أن هناك عدة تطورات تحدث في المشرق العربي تشترك جميعها عند نقطة إبعاد الإخوان المسلمين عن المسرح السياسي؛ ذلك أن “جماعة الإخوان المسلمون” هي طرف مرشح لسرقة ثمرة المشروع فيما لو استمرت فاعلة سياسياً وحركياً، الخ..
ويلاحظ أيضاً أن المشروع الجديد سيقوم بإحداث فرز بين المتطرفين الإسلاميين السلفيين التائبين كمثال أحمد الشرع ورفاقه (الشيباني ولأبو أحمد حدود، الخ..) من جهة وبين المتطرفين المستمرين بتطرفهم كداعش بنسختها أو بجيلها الثاني من جهة أخرى؛ بمعنى أن المتطرفين التائبين سيأخذون شرعيتهم وبراءتهم الدولية من أنهم يقودون مشروع داعش وتحول السلفية الجهادية إلى سلفية تتحول للاعتدال بالتدريج..
المشروع في ذروته في هذه المرحلة وأحجار شطرنج الواقع القديم والذي لا يزال قائماً تتهاوى الواحدة إثر الأخرى!!