خاص الهديل…
قهرمان مصطفى
شهدت مدينة جرمانا، الواقعة في ريف دمشق، توترات أمنية خلال اليومين الماضيين عقب انتشار تسجيل صوتي مجهول المصدر تضمّن إساءة للنبي محمد ﷺ، ما أدى إلى موجة استياء شعبي عارمة سرعان ما تطورت إلى اشتباكات مسلحة في محيط المدينة، وأسفرت عن سقوط ضحايا من عناصر قوى الأمن العام السوري أثناء محاولتهم احتواء الموقف، وذلك إثر قيام مجموعات مسلحة بالهجوم على المدينة.
الشرارة التي أشعلت الموقف جاءت من مقطع صوتي منسوب لشخص قيل إنه ينتمي للطائفة الدرزية، وعلى الرغم من عدم التأكد من صحة التسجيل أو مصدره، إلا أن تداعياته كانت فورية، وانتقل الغضب من مواقع التواصل الاجتماعي إلى الشارع، في مشهد يعبّر عن هشاشة الوضع الداخلي أمام ما يمكن وصفه بـ”الإشعال الرقمي للفتن”.
وزارة الداخلية السورية أصدرت بياناً أكدت فيه متابعتها الحثيثة لمصدر التسجيل، وتعهدت بمحاسبة من يقف خلفه؛ كما شددت على أهمية عدم الانجرار وراء الدعوات التحريضية التي تهدد السلم الأهلي.
من جانبها، أصدرت شخصيات ومرجعيات دينية من الطائفة الدرزية بيانات شجب واضحة، أكدت فيها رفضها القاطع لأي إساءة للنبي محمد ﷺ أو للمقدسات الدينية، معتبرة أن من يقف خلف التسجيل “لا يمثل الطائفة ولا أخلاقها”.
التطور الأخطر تمثّل في اندلاع اشتباكات مسلّحة في محيط مدينة جرمانا، تدخلت على إثرها قوى الأمن العام السوري لاحتواء الموقف وفرض الاستقرار، وأسفرت الاشتباكات عن سقوط عدد من عناصر الأمن العام أثناء قيامهم بواجبهم، وعدد من أبناء المدينة.. ما ألقى بظلال إضافية على الحدث، وفتح باب التساؤلات حول دوافع التصعيد ومن يقف وراءه.
عدد من الناشطين والمحللين طالبوا عبر وسائل الإعلام بضرورة الفصل بين الخطأ الفردي وأي انتماء طائفي، محذرين من خطر تعميم التهم أو الانسياق خلف خطاب الكراهية. كما دعوا إلى سن قانون يجرّم التحريض الطائفي ويمنع نشر محتوى يحضّ على الكراهية بين مكونات المجتمع السوري.
في المقابل، تعالت الدعوات المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة، مؤكدين أن انتشار السلاح خارج نطاق المؤسسات الرسمية يشكّل تهديداً مباشراً للاستقرار، ويزيد من احتمالية الانزلاق نحو سيناريوهات أكثر خطورة.
وعلى الرغم من أن القضية ما زالت قيد التحقيق، إلا أن غموض مصدر التسجيل المسيء دفع البعض للتشكيك في دوافعه وتوقيته، خصوصاً في ظل البيئة المحتقنة سياسياً واقتصادياً، والتي تجعل من أي فتيل طائفي فرصة لتأجيج الشارع.
وعليه يمكن القول أن ماجرى في مدينة جرمانا يجب أن يكون جرس إنذار لصنّاع القرار، بضرورة تحصين المجتمع من الفتن، عبر رفع الوعي، وتشديد الرقابة على المحتوى التحريضي، وتطبيق القانون بحزم وعدالة دون تمييز.
في ظل هذه الظروف، تبقى وحدة السوريين ووعيهم خط الدفاع الأول في وجه محاولات العبث بأمنهم ومستقبلهم.