خاص الهديل…
قهرمان مصطفى
في خضم ما تشهده المنطقة من تحولات وتحالفات متشابكة، تصر إسرائيل على أن تلعب دور المخرّب في مسرح الأحداث السوري؛ فالمسألة ليست مجرد ضربات جوية هنا أو هناك، بل هي سياسة منهجية تُدار بأعصاب باردة وأجندة مدروسة، هدفها الأكبر منع سوريا من النهوض، وزرع بذور التفكك داخل مجتمع أنهكته الحروب.
الهجوم الإسرائيلي الأخير على العاصمة دمشق لم يكن مجرد استعراض عسكري أو رد فعل عابر، بل جاء ضمن بيان رسمي مشترك بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، يحذر فيه النظام السوري من مجرد التفكير بالتحرك جنوب العاصمة، ملوّحين بورقة “حماية الدروز” كذريعة للهجوم.
لكن هل الأمر فعلاً يتعلق بحماية طائفة؟ أم أنها لعبة جديدة في ملف الطوائف التي لطالما استُغلت لإشعال النيران في الجسد السوري؟
الحقيقة التي يجب على الجميع إدراكها أن إسرائيل لا تريد درزياً آمناً، ولا كُردياً مستقراً، ولا علويا محمياً، ولا سنيا موحداً، ولا مسيحياً متجذراً. بل ما تريده هو فسيفساء هشّة يمكن كسرها بسهولة متى شاءت.
وبالتالي لم يكن هذا الاستهداف الإسرائيلي منفصلاً عن السياق الداخلي المتوتر، إذ شهدت المناطق ذات الأغلبية الدرزية توتراً متصاعداً عقب تسريب تسجيل صوتي نُسب لرجل دين درزي احتوى على عبارات مشينة، ما أشعل فتيل اشتباكات بين فصائل مسلحة – بعضها خارج السيطرة الرسمية – وخلّف قتلى وجرحى، في مشهد يكشف كم أن الداخل السوري بات هشاً أمام أي تحريض.
الأمر الأخطر في هذه المعادلة، أن إسرائيل تُروّج لتدخلها العسكري على أنه دفاع مشروع عن أمنها أو عن الأقليات، لكنها في الواقع تخشى شيئاً آخر تماماً: سوريا موحدة، مستقرة، وقادرة؛ فمجرد احتمال أن تستعيد دمشق عافيتها الاقتصادية والعسكرية، يُعتبر تهديداً إستراتيجياً في العقل الإسرائيلي. لذلك، لا تتوانى تل أبيب عن ضرب أي تقارب داخلي سوري، أو حتى مؤشرات على استعادة السيادة.
وعليه لا يمكن أيضاً إغفال البعد الإقليمي في هذا الصراع، فإسرائيل تسعى لتحجيم الدور التركي في سوريا، وترى في أنقرة خصماً جيوسياسياً يجب تقييد نفوذه بأي وسيلة، ولو تطلب الأمر تحالفاً غير معلن مع فصائل داخلية أو الإبقاء على حالة اللااستقرار كخيار إستراتيجي دائم.
أما مسألة انسحاب إسرائيل من المناطق التي سيطرت عليها مؤخراً، فلا يبدو أنها مطروحة على الطاولة أصلًا. فكل السيناريوهات الواقعية – سواء عبر ضغوط عسكرية أو اتفاقات سلام أو حتى ضغط أمريكي مباشر – تبدو بعيدة التحقق، في ظل تحالفات جديدة تُملي توازنات مختلفة عن الماضي.
إن الواجب الأخلاقي والإنساني يحتم على العالم العربي والدولي التحرك الجاد، لا من باب التعاطف، بل من منطلق أن سوريا المستقرة هي مفتاح لاستقرار أوسع في المنطقة. لا بد من كسر صمت المؤسسات الدولية، والضغط عبر جامعة الدول العربية ومجلس الأمن لإجبار إسرائيل على وقف تدخلها السافر، وإعادة الاعتبار لسيادة الدول وحرمة الجغرافيا.
ففي النهاية، ما يجري في سوريا اليوم ليس مجرد صراع نفوذ، بل معركة وجود وهوية، يُراد لها أن تتفتت تحت مسميات الطوائف وذرائع الحماية.