أحباني وأصدقائي وأهلي البيارتة لقد عاشت بيروت، في الأسابيع القليلة الماضية، بما تمثل من عاصمة مركزية للقرار السياسي والوحدة الوطنية والعيش المشترك، مازقا حقيقيا وغير مسبوق بما يتعلق بالانتخابات البلدية فلقد ساد، وما زال يسود الإرباك والتشويش بفعل حالة التشرذم والإنقسام والتشتت والضياع وفوضى الولاءات التي يعيشها البيارتة وقياداتهم وجمعياتهم، إضافة إلى المحاولات الشعبوية والفئوية لتمرير بعض التعديلات الاستثنائية الطائفية الجديدة تزيد قانون البلديات المعمول به تشوها وعقما، وتنال من حقوق البيارتة، وتشكك برشدهم ونضجهم ووطنيتهم. في ظل ذلك كله، شجعني وحثني الكثيرون من الأخوة والأصدقاء ورجالات بيروت وكبارها ورؤساء جمعياتها الأهلية والعائلية، مشكورين على ثقتهم الغالية، على المبادرة بترشيح نفسي كي أترأس لائحة متوازنة وفاقية مستقلة جامعة، من خارج الطروحات والتركيبات التي قد تشكل خطرًا جديا على صحة تمثيل المجتمع البيروتي وتضعف مكانة العاصمة الريادية والمتقدمة ويفقدها دورها الميثاقي الجامع وطنيا. ولأنني لم أتوان يوما عن تحمل المسؤولية لخدمة مدينتي العظيمة وأهلها الشهام، سواء في موقع رسمي أو كمواطن بيروتي فخور بانتمائه إلى مدينته، وانطلاقا من حرصي على بيروت وتاريخها ومستقبلها ومن غيرتي على أهلها، فقد بادرت إلى إجراء دراسة موضوعية ومعمقة للواقع الإنتخابي البلدي وأقرنت ذلك بمروحة واسعة من اللقاءات والاتصالات مع عدد كبير من النواب والقيادات والمسؤولين لكي استنبط القرار المسؤول الذي ينبغي أن أتخذه بكل جرأة ومسؤولية وبعيدًا عن الطموحات الشخصية والأنانيات الضيقة. ولأنني ملزم بمكاشفة أهل بيروت، يؤسفني أن أصارحهم بالحقيقة المطلقة والمؤلمة بأن الممارسات والسلوكيات التي تحيط بالاستحقاق البلدي، فضلا عن تضخم الأنا والغرور المفرط عند العديدين والتجبر والتكبر وحلم السيطرة على قرار بيروت، إضافة إلى إحجام بعض المرجعيات عن التدخل والتصويب واعتماد سياسة النأي بالنفس عن مصير العاصمة وأبنائها، جميعها أمور غريبة عن أدبيات وأخلاقيات وقيم البيارتة وقناعاتهم، وتشكل خطرا حقيقيا على صحة تمثيل المجتمع البيروتي، وتضعف مكانة العاصمة ودورها الميثاقي الوطني الجامع، وتتجاهل مصلحة المدينة والحاجة إلى استنهاضها وإعادتها إلى سكة الإنماء والتطور، وتضرب مرتكزات وأسسن وجوهر العمل البلدي. وبناء على تقييمي للواقع المؤلم والمتشظي، وأمام تعدد اللوائح وعجقة المرشحين من كل حدب وصوب، وكي لا أكون شاهد زور أو مشاركًا في هذا المشهد الذي لا يُشبهني ولا يُشبه بيروت، وحفاظا على كرامتي التي صنعتها وحافظت عليها، واحتراما لمكانتي العلمية والمهنية التي حصلت عليها بالعمل الشاق والشغف الكبير، قررت العزوف عن الترشح وأن أنأى بنفسي عن هذه السلوكيات الغريبة عن بيروت ولكني أؤكد أن هذا القرار لا يعفيني من التزامي الثابت والراسخ كعاشق لبيروت وأهلها، ومن تحمل مسؤولياتي لخدمة بيروت وأبنائها الصابرين على ما تعانيه مدينتهم من استهدافات ممنهجة لتهميشها وإلغاء دورها وموقعها، وأنا على ثقة أن ست الدنيا بيروت ستبقى عصية على زعماء التقسيم والاختزال، وسيبقى البيارتة متنبهين وصامدين وعاملين على إسقاط ما يُحاك ضد مدينتهم. وختامًا أشكر جميع الأحبة والأصدقاء والكبار من رجالات المحروسة الذين وثقوا بقدراتي وعزمي على إعادة بلدية بيروت إلى مكانتها ودورها؛ وأعدكم بأنني سأبقى مدافعا شرسا عن بيروت وعزتها وعن البيارتة وعزتهم.