خاص الهديل…
غنوه دريان…
تسجّل جرائم التحرّش بالأطفال أرقاماً مخيفة في السنوات الأخيرة. فبحسب منظمة اليونيسف، تتعرّض واحدة من كل خمس فتيات، وواحد من كل عشرين فتىً، للتحرش الجنسيّ سنوياً.
ويعدّ الأطفال من الضحايا المفضّلين في جرائم التحرّش والاغتصاب، لأسباب تتعلّق بضعف الضحية، وعجزها عن التعبير، أو تعريف وفهم ما جرى معها، فأغلب جرائم التحرّش التي يتعرّض لها الأطفال تُكتشف لاحقاً، بعد أن يعيش الطفل كامل تأثيراتها النفسيّة المؤذية، ما يصعّب مهمة التعافي أو تخفيف الأضرار الجانبية لتلك التجارب المريرة.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، تشير معظم الدراسات إلى أن المعتدي يكون غالباً شخصاً يعرفه الطفل، فنسبة 70% من المعتدين هم أشخاص مقرّبون من الطفل، وهم غالباً أشخاص موثوقون، يقدّمون له الألعاب والمال والهدايا، وتوحي تصرفاتهم بالثقة.
وبالنظر إلى ازدياد نسب جرائم التحرّشيمكن التكهّن بالأسباب التي تمنح المتحرّش أو المغتصب الجرأة لتكرار فعلته، والتي هي بالدرجة الأولى مرتبطة بالمجتمع الذي يبرر تلك الجرائم، وبخوف الضحيّة من الفضيحة، وفي ضعف النصوص القانونيّة التي تتفادى أحياناً مجرد ذكر مفردة “تحرّش”.
يقول الخبراء النفسيّون إن إلقاء اللوم على الضحيّة هو ظاهرة يمكن أن يكون لها تأثير نفسيّ منهك على الشخص الذي يكافح للتعافي من الاعتداء و العنف الجنسيّ الذي تعرّض له. ويميل الكثير من ضحايا الاغتصاب والتحرّش أصلاً إلى لوم أنفسهم، ويأتي المجتمع ليكرّس تلك النظرة المشوّهة، بدل الميل إلى احتوائهم ودعمهم.
وتعود ثقافة لوم الضحية، بحسب الخبراء النفسيّين، إلى ميل الإنسان إلى إثبات أن لا شيء يصيبنا دون أن نكون سبباً له؛ فلا شيء خارج عن سيطرة البشر الذين يجذبون السوء لأنفسهم، فمعرفة أن شخصاً آخر قد وقع ضحية، يهدّد بتحطيم وهم كوننا مسيطرين على كل ما يحدث لنا.
فحتى في حالات المرض والموت، ورغم كوننا جميعاً عرضة لهما، يميل الكثير من البشر إلى الإيمان بأننا ندفع ثمن أفعالنا السيئة عندما نُصاب بالمرض أو نموت.
وتدفع ثقافة لوم الضحايا الكثير من الناس إلى التكتّم عن أي اعتداءات أو انتهاكات مستقبليّة قد يتعرّضون لها، خوفاً من عدم تصديقهم، أو اضطرارهم للتعامل مع الفضيحة وردود الأفعال السلبية بسبب خروج الأمر إلى العلن.
فإلى ذلك اليوم الذي نقف فيه بجانب أنفسنا، ونعترف بأننا جميعاً قد نكون ضحايا محتملين، ونتوقف عن البحث في مسؤولية الضحايا، ستبقى الجريمة مستمرة، وسنستمر في دفن طيبة وعليا وكثيراتٍ غيرهن.