خاص الهديل….
بقلم: ناصر شرارة
انتقد الرئيس الأميركي ترامب أمس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأنه يقتل دون داع في أوكرانيا؛ ولكن ترامب لم يشر بكلمة واحدة أو حتى ملاحظة عابرة لنتنياهو الذي يقتل أطفال غزة؛ وكانت الجريمة الأخيرة ما حصل من قيام الجيش الإسرائيلي بقتل ٩ أطفال من عائلة واحدة.
السؤال الذي يجب طرحه على ترامب هو هل السبب الذي يجعله يتجنب أو لا يخطر لباله انتقاد نتنياهو على قتله للأطفال والأبرياء هو اعتقاده أن هناك داع لفعل ذلك؟؟. وحتى يصبح السؤال أوضح لترامب وليس لأي إنسان آخر في العالم، يجب صياغته على النحو التالي: إذا كان قتل الجنود والأبرياء في أوكرانيا من قبل بوتين لا داع له، فما هو السبب الذي يجعل قتل الأطفال في غزة يوجد داع له (؟؟)؛ أو أقله لماذا لا يوجد أي حافز لدى ترامب كي يصف قتل الأطفال في غزة بأنه قتل من دون داع.
.. في أوروبا تتسع دائرة الدول التي تعلن أنها لم تعد مقتنعة بأن حرب إسرائيل على غزة هي حرب على الإرهاب؛ وتتجه هذه الدول لفرض عقوبات أوروبية على إسرائيل؛ وأمس حذرت إحدى المؤسسات اليهودية الأكاديمية من أن فرض عقوبات أوروبية على إسرائيل سيؤذي قطاعاً استراتيجياً وهو قطاع التعاون الأكاديمي والتكنولوجي الإسرائيلي الأوروبي؛ وهذا أمر بحسب المؤسسة يشكل على إسرائيل “خطراً وجودياً”؛ ويجدر هنا وضع خطوط كثيرة تحت عبارة المؤسسة “خطر وجودي” ولم تقل خطراً أكاديمياً او اقتصادياً، الخ..
والسبب الذي دفع المؤسسة لوصف ما قد يحدث بأنه “خطر وجودي” هو أن إسرائيل في مجال الأبحاث التكنولوجية لديها شراكة استراتيجية مع أوروبا، كما أنها في المجال الاقتصادي لديها مع أوروبا شراكة استراتيجية أقوى وأكبر من شراكتها مع الولايات المتحدة الأميركية؛ وعليه فإن انقطاع تعاونها الأكاديمي التكنولوجي مع أوروبا، يهدد إسرائيل بالتخلف التكنولوجي، ما يضعف أو يفقدها تفوقها الاستخباراتي والعسكري في المنطقة؛ علماً أن هذا التفوق هو الذي تعتمد عليه إسرائيل لإدامة معادلة بقاء تل أبيب أكبر قوة في المنطقة بفضل أنها تسبق بالتكنولوجيا العسكرية والسيبرانية الأمنية والاستخباراتية دول المنطقة بآلاف السنوات الضوئية.
.. وعليه هناك لأول مرة رهان على ان أوروبا – على عكس ما هو شائع – تستطيع الضغط على إسرائيل على نحو استراتيجي لإرغامها على التوقف عن قتل أطفال غزة؛ ولإرغامها على التسليم بأنه لا حل عسكري للقضية الفلسطينية بل الحل هو سياسي وتحديداً حل الدولتين.
والجديد المهم في ظهور مثل هذا الاستنتاج هو أنه يقول لأول مرة أن أوروبا لديها ورقة استراتيجية تستطيع أن تضغط بها على إسرائيل، وهي ورقة التعاون التكنولوجي بالأساس؛ وبدرجة تالية ولكنها هامة لديها ورقة الشراكة الاقتصادية معها؛ وهذا العامل يحرر القضية الفلسطينية من قيد أن هناك جهة واحدة قادرة على الضغط على إسرائيل هي الولايات المتحدة الأميركية التي تمتنع لمليون سبب وسبب عن الضغط على تل أبيب بل لا تريد أو لا تستطيع أن توقف دعمها الأعمى لإسرائيل..
وفي حال ذهبت أوروبا بعيداً في استخدام ورقة أو أوراق ضغطها على إسرائيل لوقف قتلها لأطفال غزة ولوضع نهاية سلمية للقضية الفلسطينية؛ فإن هذا التطور – فيما لو حدث فعلياً – سيعطي أوروبا أولوية في تطلع العرب للتعامل معها وذلك حتى على حساب موقع أميركا في المنطقة.
يجدر بالدبلوماسبة العربية أن تنظر باهتمام خاص في هذه الفترة لأوروبا التي قد تنفض عنها غبار ترهلها، وذلك لمصلحة أن تجدد شبابها الدولي انطلاقاً من دور عملي وفعال يؤدي إلى فرض وقف حرب غزة وأخذ المنطقة إلى حل الدولتين..