غادا فؤاد السمان – شاعرة وكاتبة سورية ورئيس تحرير مجلّة إلا الألكترونيّة – بيروت
الصين وما أدراك ما “الصين “.
من دواعي الفخر والاعتداد أننا ننتمي لهذه القارة الآسيوية، التي تكتظّ بالخيرات، والمقدسات، والعلوم، والعلماء، وهي مهبط الكتب السماوية، ومقرّ الأنبياء، ومنبر الأولياء، ومربض الصالحين، التي أسفرت، عن وضع أول دستور للبشرية، وفق ضوابط، وقواعد، ومنطق، وحجج، وبراهين، وقصص الأوّلين، التي أعطتْ الإنسان اليوم كما أعطته قبل ألف و400 عام، من الحكمة والحنكة ليكون الأفضل في كل مجال..
القارة الآسيوية كما أسلفتُ أعلاه هي اليوم، معقل الحداثة التي انطلقت من الشرق الآسيوي الأدنى، والمتمثّل في أكبر دولة مصنّعة، ومحفّزة على العلم، والمعرفة، والإبتكار، والإبداع، والاختراع، والتكنولوجيا، مثل “الصين “..
الصين التي تسجّل صعوداً متتالياً في فترات زمنية مُتقاربة، وقد تحوّلت من دولة نامية، إلى قوّة اقتصاديّة هائلة، أدّت إلى تحولات استراتيجيّة مشهودة، ومؤثّرة، وكل ذلك بفضل العلم، وتطوير المناهج العلميّة لجميع المراحل الدراسية، أضف إلى إتاحة الفرص باستقطاب جميع المُبتكِرين، وفتح أبواب الاستثمار الإبداعي، الذي أغرق الأسواق العالمية بالمنتجات الصينيّة، التي يحتاجها كل بيت وكل فردٍ فيه.
ولا أعلم ما الذي يدعونا نحن سكان القارة الآسيوية التي تجمعنا خاصيّة “الجوار ” مع الصين، إلى أن نؤثر تشغيل معظم رؤوس الأموال في الأسواق الغربيّة أو الأميركيّة، دون أن يلتفتَ أحد إلى تشغيل أمواله في الصين التي لم تفكّر يوماً بالتطاول على السياسات العربية على اختلاف توجّهاتها، ولم تتعدّ على حرمة البلاد العربيّة بأيّ احتلال أو استغلال للثروات التي تعمّ المنطقة، بل إن الصين نشهد لها دورها الفاعل في تقريب وجهات النظر بين إيران والمملكة العربيّة السعوديّة، لتسجّل بذلك تميّزها ليس بالجانب الإقتصادي بل هذا التحوّل الاستراتيجي كلاعب سياسي بوسعه أن يوثّق دوره على أرض الواقع، ورغم أنّ الصين تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الأمر الذي يعطيها نفوذاً متزايداً في الشرق الأوسط إلا أنها لم تتخطّ حدودها ونفوذها في المنطقة العربيّة، بل توظّف كل إمكاناتها لتطوير الذات، حتى أصبحت تسمى بثقة “الصين مصنع العالم ” وذلك باكتساب ثقة الغرب بعدما فتحت أبواب الاستثمار أمام الأسواق نتيجة خطّة “سياسة الإصلاح والانفتاح ” منذ العام 1978 التي أكّدت للعالم أجمع أنها صاحبة قول وفعل حقّاً.
على الرغم من التحدّيات الكثيرة التي تواجه الصين بمفردها، مثل التوترات المتزايدة مع “الولايات المتّحدة الأميركيّة “، إلى جانب التحدّيات الأمنيّة في المحيطين الهادئ والهندي، تستمر الصين في تعزيز مكانتها الاقتصاديّة والدبلوماسيّة بأسلوب ناعم، لا يسيء إلى أحد، ولا يساهم في أيّ تصعيد من شأنه أن يُدخل المنطقة بمتاهاتٍ جديدة.
لا شكّ أنه ومن الواضح من اعتماد أسلوب الحياد الذي تنتهجه الصين لتعزيز استقرارها الداخلي، تجد نفسها على الدوام في منافسات “جيوسياسيّة ” على النفوذ الاقتصادي في المنطقة، فهي أمام عراقيل وعثرات دائمة، لإبرام اتّفاقيات التعاون في شؤون التجارة الحرّة مع دول المنطقة، فمثلاً اتّفاقية التجارة الحرّة مع مجلس التعاون الخليجي لا تزال قيد التفاوض منذ العام 2004 حتى يومنا هذا، فهي القادرة على تأمين الاستثمار في المجالات الشاسعه وأهمها وفي مقدمها التكنولوجيا والطاقة، إلّا أنّ المراقب الدولي دائماً بالمرصاد، لهذا بتقديري علينا أن نكثّف الجهود، ونلمّ شمل الاقتصادي العربي في الشرق الأوسط على الأقل ليصبح ثِقلاً اقتصاديّاً، بوسعه أن يشكّل قوّة سياسيّة فاعلة في الشرق الأوسط تتبادل الدعم والقوة مع الصين، فيكون الاكتفاء، والازدهار، والاستقلاليّة، والحريّة، والاستقرار الحقيقي لنا وللأجيال القادمة.