خاص الهديل:
بقلم: ناصر شرارة
الأحداث التي يشهدها لبنان صيف ٢٠٢٥ فيها أوجه شبه مع خلفيات كانت موجودة داخل الأحداث التي وقعت في لبنان بين عامي ١٩٨٢ – ١٩٨٣.
وفي مقدمة التشابه بين هاتين الحقبتين يرد مشهد النقاط المشتركة الموجودة بين شخصيتي إرييل شارون (لقبه الدلع إريك) وبنيامين نتنياهو (لقبه الدلع بيبي).
الرجلان يفترقان في نواح عديدة بخصوص ملامح شخصيتهما؛ ولكن يشتركان في قضية مهمة تتعلق بنظرتهما للحرب كهدف وليس كوسيلة.
طبعاً شارون جاء إلى السياسة من نادي العسكر؛ وهو ضمن هذه الصفة يشبه موشي دايان أكثر مما يشبه بنيامين نتنياهو؛ فالأخير سياسي ولم يكن يوماً عسكرياً محترفاً؛ ولكنه مثل شارون يمارس استخدام القوة العسكرية بوصفها سياسة شخصية تخصه بمثلما هي استراتيجياً ليس لبقاء إسرائيل موجودة بل لبقاء المنطقة موجودة تحت نفوذ إسرائيل.
شارون مثل نتنياهو؛ أو ربما الأصح القول أن “بيبي” مثل “إريك”؛ فكلاهما وصل إليه مناداته داخل إسرائيل بلقب “الملك”.. خلال حرب رمضان العام ١٩٧٣ حينما نفذ شارون عملية الدفرسوار (اختراق دفاعات الجيش الثالث المصري) استقبله الجنود الإسرائيليون المنهكون حينها بعبارة “جاء الملك”.. نتنياهو اليوم يبحث داخل حرب غزة عن صورة سياسية – عسكرية تشبه “صورة شارون ملك الدفرسوار”. يحاول التقاط هذه الصورة له من خلال البحث عن أسرى بيد حماس يهبط عليهم على ظهر دبابة وينقذهم؛ ويكرر تماماً ما فعله شارون عندما وزع صورته وهو يصل على ظهر دبابة لإنقاذ الجيش الإسرائيلي في سيناء وليفرض حصاراً على الجيش الثالث المصري.
من الصعوبة بمكان إيجاد تطبيق عملي يكرر رمزية المشهدين كما ربما يريد نتنياهو؛ ذلك لأن غزة ليست سيناء، وأيضاً لأن حرب أكتوبر ٧٣ ليست حرب طوفان الأقصى ٢٠٢٣؛ ولكن مع ذلك يوجد تشابه بين حرب شارون على لبنان عام ١٩٨٢ وحرب نتنياهو على غزة ولبنان المستمرة منذ العام ٢٠٢٣.
يقع الشبه في عدة نقاط جوهرية أبرزها أنه صيف عام ١٩٨٢ بدأت حرب إسرائيل على لبنان بوصفها حرب كل إسرائيل، ولكنها في مراحلها المتقدمة أصبحت حرب أرييل شارون الشخصية وبات مستقبله السياسي مرتبطاً بقدرته على توسعتها، رغم اعتراضات حركة الأمهات الأربع التي تشبه اليوم اعتراضات حركة عائلات الأسرى؛ ورغم تحفظ البيت الأبيض حينها، وهو يشبه اليوم واقع تباين نتنياهو مع ترامب. وما يحدث الآن في حرب غزة هو أنها بدأت حرب إسرائيل وكل الغرب على غزة فيما أصبحت اليوم هي حرب نتنياهو الشخصية على غزة؛ وبات استمرارها المدان عالمياً له صلة باستمرار مستقبل نتنياهو السياسي.
لم يتعلم نتنياهو العبرة الاستراتيجية التي وصلت لشارون جراء سلوكه في حرب لبنان، ومفادها أنه مهما عظم شأن القائد أو الزعيم في إسرائيل فإنه حينما يتفرد بالقرار خلال الحرب ينتهي إلى هزيمة شخصية. لقد انتهى الأمر بشارون إلى خلاصة تقول أن إسرائيل انتصرت في حرب ٨٢ ضد لبنان وضد عرفات، ولكن شارون دفع ثمن كل أخطاء إسرائيل الاستراتيجية في الحرب المنتصرة؛ وكان أبرز هذه الأخطاء وأخطرها أنه خرج عن التنسيق الاستراتيجي مع واشنطن خلال الحرب وكاد بذلك يتسبب بكشف كم هي ضعيفة إسرائيل، حينما يرفع عنها البيت الأبيض الغطاء ولو ليوم واحد.
إن أهم وصايا رؤساء وزراء إسرائيل لبعضهم البعض عند التسلم والتسليم لمناصبهم هو الوصية “تحاشى تحدي سيد البيت الأبيض؛ حافظ على ود استراتيجي معه وتجنب خلاف عميق معه”.
نتنياهو ربما تعلم من شارون أن لا يصل الخلاف مع سيد البيت الأبيض إلى درجة الخطر على إسرائيل ولو الخطر المرحلي الجزئي؛ ولكنه تعلم من غولدا مائير أن يقول “لا” لأميركا في وقت يوجد فيه لإسرائيل توقيت خاص بها رابح داخل الولايات المتحدة الأميركية.
.. والواقع أن تجربة علاقة غولدا مائير بالرئيس الأميركي نيكسون تعتبر مرجعاً داخل إسرائيل لمعرفة الطريقة الفضلى التي تسمح لإسرائيل خلال الحرب إدارة اختلاف وليس خلافاً مع أميركا؛ فيما تجربة أربيل شارون تعطي مثلاً عملياً حول متى فعلياً “تحمر عين واشنطن” على إسرائيل. ويقال هنا أن أميركا هددت شارون أنه بحال لم يتوقف عن التقدم نحو عمق لبنان على الخط الساحلي فسوف تقصفه؛ وهنا توقف شارون وانتظر أن يهدأ غضب البيت الأبيض منه، ليدخل بيروت لوقت قصير..
حالياً نتنياهو يراوح في علاقته مع واشنطن بين ثلاثة نماذج: نموذج غولدا مائير حينما قالت لنيكسون “لا”. ونموذج شارون حينما اختبر غضب أميركا الفعلي وتجنبه من دون أن يلغي هدفه وهو دخول بيروت؛ ونموذجه الشخصي حينما خرج منتصراً من اشتباكه السياسي مع الرئيس أوباما؛ ولكن نتنياهو يلاحظ أنه بعلاقته مع أميركا هو موجود حالياً داخل لحظة استثنائية لا تشبه أياً من اللحظات السابقة في العلاقة بين تل أبيب والعم سام؛ والسبب في ذلك هو أن ترامب لا يشبه أياً من أسلافه الرؤساء الأميركيين السابقين؛ أضف أيضاً أنه هو – أي نتنياهو نفسه – لا يشبه أياً من رؤوساء حكومات إسرائيل السابقين!!.