خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
اقتحمت قوة كوماندوس إسرائيلية سفينة مادلين واقتادتها لجهة تقع خارج تغطية القانون الدولي؛ واحتجزت طاقمها ومن كان يبحر عليها.
التهمة العداء للسامية التي تساوي عملياً إعلان الرغبة بتقديم الطعام والماء والحليب لأطفال غزة المحاصرين والجائعين..
السؤال الآن من يستطيع في كل العالم فعل شيء عملي ولو رمزي بالاعتراض على ما ترتكبه إسرائيل من إبادة للشعب الفلسطيني في غزة؟؟.
الجواب هو لا أحد!!.
يستطيع بنيامين نتنياهو أن يستمر بإجرامه من دون خوف من العقاب الدولي؛ فهو محمي بحصانة أقوى دولة تنتحل صفة “الشريف” الذي يطارد الهاربين من العدالة؛ ولكن نتنياهو مُنح حصانة من الشريف المختص بمعاقبة أشخاص مثل نتنياهو على وجه التحديد…
وأكثر من ذلك يقتل نتنياهو أطفال غزة ويجعل لون الطحين في غزة أحمراً.. ويفعل كل ذلك وهو يضع على صدره “شارة الحصانة” التي تجعل “الشريف الأميركي” يطارد الهاربين من ظلمه.. ويجعل الشريف الأميركي يطارد العدالة بدل أن يطارد المعتدين عليها.
.. غير أنه في ظل كل ما يحدث، ورغم كل ما يحدث؛ فإن شيئاً لن يتغير على مستوى الحقيقة التي تقول أنه طالما غزة تحت الحصار وبين فكي الإبادة الإسرائيلية، لا يمكن توقع استقرار في المنطقة، ولا يمكن توقع أي أفق إيجابي يمكن أن يخرج من حقيبة المبعوث الفرنسي لودريان أو المبعوث الأميركي المؤقت إلى لبنان توماس باراك أو أي موفد آخر بغض النظر عن اسم البلد المرسل إليه.
وصفة الاستقرار هي وقف حرب الإبادة في غزة؛ ثم بعد ذلك يصبح ممكناً للمنطقة أن تسمع ما لدى الموفدين الدوليين من أفكار ومطالب وخطط، الخ..
ما يحدث اليوم هو أن المنطقة مخطوفة؛ والخاطف هو بنيامين نتنياهو المطلوب “للعدالة” في إسرائيل، والمطلوب للعدالة في المحاكم الدولية؛ والمحمي من “عدالة” الإدارة الأميركية…
.. وبهذا المعنى فإن نتنياهو يحمي نفسه بالاعتماد على ترامب الطامح لنيل جائزة نوبل لجهوده السلمية(!!)؛ فيما نتنياهو يقتل الفلسطيني لكونه طامحاً لنيل شهرة وسمعة بار كوخبا اليهودي الذي قاد عام ١٣٢م مواجهة مع ملك روما في القدس؛ أسفرت عن تدمير وقتل المجتمع اليهودي في فلسطين حينها.
.. لا يريد نتنياهو أن يكون بن غوريون مؤسس الكيان الصهيوني، بل يريد أن يكون صدى معاصراً لكوخبا الذي ظهر في أول حراكه منتصراً وأنه ينتقم لليهود من روما؛ ثم ختمت قصة حراكه على أن روما سحقته مع من كان معه من اليهود..
ينقسم اليوم اليهود بالنظر إلى بار كوخبا لفريقين؛ المتدينون المتطرفون اليهود يعتبرونه بطلاً قومياً؛ والليبراليون اليهود يعتبرونه أنه جر الويلات على اليهود.
كوخبا القديم هو اليوم نتنياهو هذا العصر؛ هو متهم من طيف المركز والوسط واليسار اليهودي بأنه يأخذ إسرائيل كما فعل كوخبا إلى التهلكة؛ ولكن بنفس الوقت هو مقدر من المتدينين القوميين والكهانيين بمثلما يقدر هؤلاء بمفعول رجعي كوخبا عام ١٣٢م.
.. وعليه نتنياهو هو رحلة انقسام يهودي حوله: قسم يعتبره بطلاً قومياً ويحثه على قتل كل الأغيار الذين هم هنا كل العرب وليس فقط الفلسطينيين؛ ويحثه أيضاً على تحدي روما التي هي اليوم ترامب “ملك” الولايات المتحدة الأميركية؛ ويطلب منه الذهاب إلى أبعد مدى كما فعل كوخبا، وترجمة ذلك بموجب أحداث اليوم هي ضرب المفاعلات النووية الإيرانية من دون احتساب للتداعيات..
وبمقابل مشجعي نتنياهو على طريقة نظرة الكهانيين الحاليين لتجربة كوخبا؛ هناك داخل إسرائيل من يعتبر أنه يجب عدم السماح لكوخبا العصر أي نتنياهو أن يأخذ اليهود إلى النهاية المأساوية التي أخذهم إليها كوخبا الذي لقبه المتطرفون اليهود حينها واليوم “بإبن النجم” في تلميح إلى أنه المخلص المسيح.
.. هؤلاء الأخيرون يريدون إسقاط نتنياهو بأيدي يهودية كي لا يسقط نتنياهو إسرائيل بأيدي الأغيار كما حصل في زمن كوخبا؛ فيشتت ريح اليهود ويحصدون ثمن رعونة بنيامين بار كوخبا نتنياهو..