خاص الهديل…
قهرمان مصطفى…
عندما نذكر “الغرب”، يتبادر إلى أذهان كثير من الناس صور النجوم والمشاهير، من لاعبي كرة القدم إلى نجوم السينما والموسيقى؛ ومن هنا يعتقد البعض أن هذا هو جوهر الغرب، بينما يغفلون عن الوجه الحقيقي له: المعامل، المصانع، المزارع، والعمل الجاد الذي يشكل العمود الفقري لتقدمه.
هناك من يتصور أن من يتجولون في محلات “الشانزليزيه” هم ممثلو فرنسا الحقيقيون، لكن الحقيقة أن فرنسا تتجلى في ملايين العمال الذين يستيقظون باكراً، في الفلاحين الذين يحرثون الأرض، وفي المهندسين الذين يبنون حاملات الطائرات ويبدعون في صناعة مئات الأنواع من الأجبان.
وهذا ما أشار إليه الرئيس الجزائري السابق أحمد بن بلة، وهو ما سبق أن عبّر عنه الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي حين قال: “المرأة الفرنسية ليست تلك التي تتسوق في محلات الأزياء الراقية، بل هي تلك الفلاحة التي تعمل في الحقول، والعاملة التي ترتدي زيّ العمل في المصانع، وتعيش حياة بسيطة ومُنظّمة”.
وعليه نلاحظ بأن “الغرب السطحي” يحظى باهتمام واسع في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، بينما يبقى “الغرب العميق” محصوراً في الأوساط الفكرية النخبوية التي لا تملك تأثيراً واسعاً.
فعلى سبيل المثال لا الحصر “ولاية فلوريدا الأمريكية”: ستجد صور المغنية “تايلور سويفت” تتصدر أغلفة المجلات في مكتبات أورلاندو، ويقف المراهقون والمعجبون لمتابعة أخبارها. وعلى الجانب الآخر، في مركز كينيدي للفضاء في كيب كانافيرال، يتجلى “الغرب العميق” في أبهى صوره؛ حيث العقول التي تصنع الصواريخ وتستكشف الفضاء.
تايلور سويفت، التي تجاوزت ثروتها مليار ونصف دولار، وتتابعها مئات الملايين حول العالم، تقدم فناً بسيطاً يروي مشاهد يومية، لكنه لا يعكس عمق الغرب الحقيقي الذي يبني ويبحث ويبتكر.
القليل من شبابنا يرى “أمريكا الحقيقية”؛ أمريكا الجامعات العريقة، مراكز البحث، وادي السيليكون، مزارع القمح، ومصانع المركبات الفضائية. أما الأغلبية فترى “أمريكا الاستعراضية” التي تكتفي بتصدير منتجات الغرب السطحي.
لا شك أن “الغرب السطحي” يلعب دوراً كبيراً في التأثير الثقافي والغزو الفكري عبر أدوات القوة الناعمة، لكن الغرب الذي استعمر العالم وأعاد تشكيله هو الغرب الذي بُني على البحث العلمي، وتطوير التعليم، والمعرفة.
الحقيقة التي ينبغي إدراكها: لا يمكن تحقيق نهضة حقيقية من خلال الانبهار بالسطح، بل من خلال فهم الغرب العميق ودراسته بوعي؛ وهذا ما سارت الصين واليابان على طريقه؛ فالنتعلم من جوهر الغرب، وألا نكتفي بتقليد مظهره.
الحضارة ليست صدى لأغانٍ ولا نسخاً لموضات.. بل هي اختيار.
*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*