خاص الهديل…
بقلم: ناصر شرارة
انتهت جلسة مجلس النواب أمس من دون التصويت على قانون معجل يعطي المغتربين حق الاقتراع للنواب ال١٢٨.
وبنظرة عامة لا يبدو أن هناك حماساً لدى معظم الأحزاب اللبنانية لإدخال أي تعديل على قانون الانتخابات النيابية.
وأكثر من ذلك فإن انتخابات بلدية بيروت أظهرت لحد ليس قليل أن الأحزاب بمختلف مشاربها تريد ضمناً بهذه النسبة أو تلك، الذهاب إلى انتخابات تسبقها تسويات.
وأهم سبب يقف وراء هذا السلوك هو إحساس الكثير من هذه الأحزاب أن التحولات السياسية الكبرى والعاصفة التي تشهدها المنطقة تهدد بانعكاسات على لبنان تجعل هذه الأحزاب تشعر وكأنه عليها أن تمر من تحت المقصلة؛ ما يحتم عليها استخدام الاحتماء داخل ما هو قائم للحفاظ على ما هو موجود لديها. ينطبق هذا الواقع على الثنائي الشيعي بمثلما ينطبق على الاشتراكي الدرزي والوطني العوني والمستقبل العائد، الخ..
ربما كانت قوى كالتغيريين وكوجه الشيخ سامي الجميل الشاب داخل إرث الكتائب القديم؛ يعتبرون أن التحولات الإقليمية تخدمهم كونها ترمي الحجر الضخم في المستنقع السياسي اللبناني التقليدي الآسن؛ ولذلك يتحمسون لفكرة أن يلاقوا التحولات الخارجية بدفع الوضع في الداخل باتجاه طي الصفحة..
أما القوات اللبنانية فهم يعتبرون أن وجهة نظرهم ربحت ولذلك يعتقدون أن التغيير سيكون لصالحهم.
يجب الاعتراف أن هذه المرحلة لا يوجد فيها عوامل داخلية صرفة أو شبه صرفة؛ فكل ما حصل ويحصل وسيحصل في لبنان، سيكون تعبيراً عن معنى حصل ويحصل وسيحصل في الإقليم وفي العالم.
وضمن هذا السياق فإن المنطقة بعد حروبها ستشهد أربع حروب انتخابية ستكون نتائجها إجابة عن السؤال الملك وهو طبيعة “اليوم التالي” داخل الدول التي شاركت بشكل مباشر أو غير مباشر في حروب حرب طوفان الأقصى.
والملاحظ أن موعد حروب اليوم التالي الانتخابية في المنطقة بدأت منذ الآن، رغم أن جميعها ستحدث في العام ٢٠٢٦ المقبل:
أول وأهم حرب انتخابية ستحدد “اليوم التالي” بعد وقف النار في غزة ومع إيران ومع لبنان هي الانتخابات الإسرائيلية التي ستجري تحت عنوان واحد وهو بقاء نتنياهو صاحب مشروع تغيير الشرق الأوسط في السلطة، أو تغييره؟؟.
الحرب الثانية هي حرب انتخابات ٢٠٠٦ اللبنانية التي ستحدد ما إذا كانت السلطة التشريعية ستبقى بيدي الثنائي الشيعي أم ستذهب لخيار شيعي ثالث تنتجه انتخابات ال١٢٨ نائباً وليس انتخاب النواب الشيعة فقط.
الحرب الثالثة هي اليوم التالي في تركيا حيث أن نتائج تغيير النظام في سورية أخذ تركيا للسؤال عن اليوم التالي داخل تركيا ذات الإرث العثماني بعد عودة نفوذها الإمبراطوري إلى سورية: هل تستمر تركيا مع أردوغان المنتصر والمؤيد من ترامب والقادر على صياغة حل تاريخي مع أوجلان الكردي؟؟.
..وشرط أن تستمر تركيا مع أردوغان التوسعي يتوجب تعديل الدستور وتبكير الانتخابات من عام ٢٠٢٨ لبدايات عام ٢٠٢٧؛ وإبرام مصالحة وطنية مع الكرد وحزب العمال الكردستاني.. وهذه كلها خطوات تجعل تركيا وكأنها تقف على عتبة بناء الجمهورية الجديدة.
وحتى في سورية فإن اليوم التالي لما بعد سقوط الأسد لم يتبلور بوضوح بعد؛ ورغم أن الشرع قال أن هذه المهمة تحتاج من أربع إلى خمس سنوات إلا أن تركيا كما إسرائيل ستستعجلان ذهاب سورية لانتخابات قريبة؛ لأن كلتيهما تريد أن ترى في سورية سلطة سورية منتخبة ولو بما تيسر؛ وهدفهما من ذلك ليس الحماس للديموقراطية في سورية؛ بل حاجتهما لجهة سورية رسمية قانونية تبرم معهما اتفاقات أمنية واستراتيجية تخدم مصالحهما في سورية الجديدة.
وعليه فإن دول المنطقة تشهد حروباً باردة داخلية سمتها الاستعداد لمواجهة اليوم التالي بعد وقف إطلاق النار.. وفي الطريق نحو استقرار المنطقة وخروجها من لعبة الحروب المتتالية، سوف تشهد دول المنطقة ليس وقائع اليوم التالي لوقف الحرب بل ستشهد أيام تالية متتالية لفترات هدنات تسبق الاستقرار التام؛ ولعل أهم أيام اليوم التالي هو استحقاق الانتخابات في كل واحدة من دول الحرب؛ حيث سيتم خلاله في كل واحدة منها فحص نتائج الحرب من خلال معرفة الشكل الجديد لمعادلة الحكم فيها.