د. حمد الكواري:
ازدواجية المعايير النووية تهدد النظام العالمي
تمرّ الحياة السياسية الدولية اليوم بخللٍ عميق يُهدد منظومة العلاقات بين الدول، ويقوّض المبادئ التي تأسّس عليها النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.
فقد شهد العالم آنذاك لحظة توازن أدت إلى قيام الأمم المتحدة، وولادة مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات التي وضعت أُسسًا واضحة لحماية حقوق الإنسان وتنظيم العلاقات بين الدول، بما في ذلك الضوابط المتعلقة بامتلاك واستخدام الأسلحة النووية.
وبالرغم من سعي بعض الدول لامتلاك السلاح النووي، فإن الدافع في تلك المرحلة كان محصورًا في ما سُمي بـ”الردع المتبادل”، وقد أُنشئت منظومة قانونية دولية لضبط هذا المجال، من أبرزها معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) والوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA).
لكننا اليوم أمام عالم جديد، تراجع فيه نظام الردع المتبادل مع اختفاء الثنائية القطبية، وحلّ مكانه واقع أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة، التي لم تعد تُمارس دورها من منطلق التوازن والعدالة، بل أصبحت تسعى لفرض رؤيتها من خلال تبني قوة إقليمية تتجاهل بالكامل الالتزامات الدولية
فإسرائيل ليست عضوًا في معاهدة عدم الانتشار، وترفض فتح منشآتها، وعلى رأسها مفاعل “ديمونة”، أمام التفتيش الدولي، ومع ذلك فهي لا تتورع عن اتهام دول أخرى بانتهاك التزاماتها، رغم أن هذه الدول وقّعت على الاتفاقيات الدولية وتخضع فعليًا لرقابة الوكالة الدولية.
لو أن الولايات المتحدة اتبعت نهجًا متوازنًا، لرفضت من حيث المبدأ بروز أية قوة نووية جديدة خارج الأطر القانونية، بما في ذلك السلاح النووي الإسرائيلي. لكنّ ازدواجية المعايير، والتغاضي المتعمّد عن امتلاك إسرائيل لهذا السلاح، هو ما يُفقد النظام الدولي مصداقيته، ويُكرّس شعورًا باللاعدالة والتمييز.
وأحيي ما قاله سمو الأمير تركي الفيصل مؤخراً والذي يعكس صوت العقل، حين طالب بتطبيق نفس المعايير الدولية على كل الأطراف، بما فيها “ديمونة”. أما أن يُسمح لدولةٍ تتحدّى الإرادة الدولية وتتجاهل الاتفاقات العالمية بأن تملي على العالم ما يجب ومالا يجب، فهذا يهدد بانهيار منظومة القانون الدولي التي يُفترض أن تكون مرجعًا للجميع، لا أداةً بيد البعض ضد البعض الآخر.