خاص الهديل…

بقلم: ناصر شرارة
شيئاً فشيئاً تعود أخبار نشاط تنظيم داعش وأخطارها لتتصدر واجهة الأحداث في لبنان. ليلة أمس تم ضبط خلية تتدرب على إطلاق مسيرات وبحوزتها مناظير ليلية. نوعية تسليح الخلية يوحي بأنها تجهز نفسها للقيام بعمليات خاصة تحت جنح الظلام. لكن قد يكون هذا استنتاج سريع أو حتى متسرع؛ لأنه الأفضل في مقاربة هذا النوع من الأحداث هو ترك “الخبز الأمني لخبازه”؛ أي الأجهزة الأمنية.
.. لكن أبعد من اكتشاف خلية هنا وخلية هناك؛ فإن هناك أسئلة عن داعش ذاتها يتوجب طرحها في كل وقت.. وأحد أبرز هذه الأسئلة يمكن تلخيصه بسؤال مطروح دائماً وهو: لماذا الآن؟؟؟.
الإجابة عن هذا السؤال تقود للاعتراف بالوقائع التالية:
لا يوجد حتى اليوم تقدير موقف دقيق لتشخيص حركة داعش؛ بمعنى لماذا تختفي أحياناً وتظهر في أحايين أخرى(؟؟)؛ ولكن ما يمكن قوله من بعد التجربة أن داعش بشكل عام، تشبه في بعض جوانب ديناميات حركتها، ترحل القبائل التي تهاجر من مكان إلى آخر بحثاً عن الماء والكلأ مع إضافة أن داعش تبحث أيضاً وباستمرار عن مساحات الفوضى وضعف الدولة، لتستقر بين ظهرانيها..
طوال فترة غير قصيرة بدأت بعد العام ٢٠١٩ ظهر أنه دولياً صار يمكن الحديث عن أنه تم إلحاق هزيمة بداعش التي ولدت في العراق مع بدايات الاحتلال الأميركي لبلاد الرافدين. ولكن في خلال الأعوام الأخيرة التي تزامنت مع حرب أوروبا وروسيا في أوكرانيا ظهر أن داعش غيرت مسقط رأسها وانتقلت لتتمركز في الساحل الأفريقي وفي أجزاء من أفغانستان غير مسيطر عليها بالكامل من قبل طالبان؛ وصارت تعرف بداعش خراسان التي وجهت جزءاً مهماً من نشاطها ضد روسيا.
واليوم تتسلط الأضواء على مسقط رأس جديد لداعش هو البادية السورية ومناطق على الحدود بين سورية والعراق؛ وبدأ يقال على نحو كثيف أن داعش عادت للمشرق العربي؛ وبخاصة لسورية ولبنان وبدرجة أقل للعراق.
لا يوجد تحليل مقنع أو معطى قاطع يجزم لماذا تولد داعش اليوم هنا؛ ولماذا أمس ولدت هناك؛ ولماذا قد تولد غداً في مكان ثالث..
يبدو أن داعش صممت بالأساس لتكون متنقلة من مكان إلى آخر؛ والسؤال الذي سيبقى يطارد داعش دائماً هو لماذا تنتقل إلى مناطق الفوضى؛ ولماذا تختفي من فوق مناطق الهدن أو المناطق التي تنعم باستقرار قائم على تسويات..
هذه الأسئلة تقود لإجابات كثيرة ومن بينها إجابة تقول أن داعش هي أشبه بورقة ضغط تولد جراء ظهور اضطراب التوازنات وتعثر التسويات الصعبة..
.. بمعنى آخر تبدو داعش بأحسن تفسير لها وكأنها بنت اختلال التوازنات وتعثر التسويات وأن عدوها الذي يمنع أي حضور لها هو نجاح التسويات الخاصة بحل المشاكل الإقليمية أو المشاكل الناشبة داخل الدول..
ثمة من يأخذ هذه النظرية عن سبب حضور داعش؛ ليقول: طالما أن داعش هي بنت تعثر التسويات واختلال التوازنات؛ فإن هذا يعني تلقائياً أن من يشغل داعش وينفخ الحياة في روحها، هي الدول والجهات التي تريد تخريب التسويات وضرب التوازنات غير المواتية لها؛ والتي لها مصلحة بتغيير اتجاهات الصراعات من سردية إلى أخرى!!.

