خاص الهديل…

ناصر شرارة…
يمكن اعتبار يوم الثلاثاء الذي هو موعد عقد جلسة الحكومة لاتخاذ قرار بسلاح حزب الله بمثابة اليوم الأول في عمر العهد الرئاسي للرئيس جوزاف عون.. لقد تشابهت تقريباً كل العهود الرئاسية منذ اتفاق الطائف حتى الآن؛ ذلك أن كل عهد جديد كان يرث من العهد الذي سبقه ملف سلاح حزب الله؛ وفقط من بين جميع العهود كان جرى في عهد الرئيس ميشال سليمان عملية حوارية قادت لما بات يعرف بإعلان بعبدا الذي لم ينفذ.
المهم أن يوم الثلاثاء المقبل سيكون أمام عدة خيارات هي بجوهرها خيار واحد: إما أن وزراء الشيعة سيتفقون مع باقي الوزراء على أن لا يتفقوا – وقد يعتبر هذا اتفاق -؛ وإما أن يختلف وزراء الشيعة مع باقي الوزراء على الاتفاق – وهذا قد يعتبر اتفاقاً على الخلاف -؛ ولكن كل واحدة من هاتين الحالتين لا يتضمن ما هو مطلوب وهو أن يتفق كل وزراء الحكومة على صيغة تكون مقبولة داخلياً وغير مرفوضة خارجياً؛ أو أن تكون مقبولة خارجياً وداخلياً!؟.
.. وعلى هذا فإن جلسة الحكومة يوم الثلاثاء ضمن احتمالاتها الواردة أعلاه، تشبه عملية البحث عن هرة سوداء في غرفة مظلمة. وعليه لن يكون ممكناً تمييز الظلمة عن لون الهرة السوداء؛ وبالتالي ستدخل الحكومة في لعبة البحث عن اللون الأسود داخل الظلمة.
المطلوب دولياً هو قرار من الحكومة بجدول زمني لسحب سلاح الحزب؛ وداخلياً فإن المطلوب تسوية داخل الحكومة لجعل سحب السلاح لا يسحب الكراسي من تحت وزراء حكومة نواف سلام؛ وأما إسرائيلياً فإن المطلوب على ما يبدو هو ذريعة لتجدد الحرب.
.. ورغم صعوبة هذا الافتراض؛ فإنه يمكن القول أنه إذا كان مطلوباً من صانع القرار اللبناني ترتيب أفكاره في هذه “الحشرة”، فسوف يجد أمامه اللائحة التالية:
على رأس القائمة وفي منتصفها وآخرها سيكون المطلوب من صانع القرار هو تنفيذ ما هو مطلوب منه داخلياً وما تعهد به للداخل وللخارج؛ وأيضاً عليه مطالبة الخارج بتنفيذ ما هو مطلوب منه تجاه لبنان؛ ذلك أن تنفيذ اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل لا يمكن أن يقف على رجليه إلا من خلال تنفيذ الضمانات الخاصة باستمرار وقف النار؛ وهذه الضمانات بيد الدول الكبرى والإقليمية وبخاصة أميركا ومن ثم فرنسا والسعودية؛ وهناك من ينصح بعدم إسقاط بريطانيا من اللائحة.
لقد ظهر ولو من قبيل الانطباع أن واشنطن كانت أقل قدرة في الضغط على نتنياهو لصالح حصر نار أحداث السويداء؛ وربما يوحي هذا بالتفكير بتغيير الحصان الدولي في حل قضايا الخلافات الداخلية ذات البعد الإقليمي والدولي مثل قضية السويداء وملف سلاح حزب الله (الخ..). صحيح أن التجربة التاريخية تقول أنه ليس هناك من بديل فعال للدور الأميركي؛ ولكن هناك أحياناً رديف له هو بريطانيا.
لا يوجد بخصوص هذه النقطة أمام صانع القرار إلا أن يبحث عن سر قد يكون ثمين؛ وهو “التوازن” في عملية مقاربة ملف سلاح حزب الله بين أمرين إثنين: الأول ما يمكن للداخل أن يفعله والثاني ما يمكن للخارج أن يقدمه.
هناك مثل حي حول نفس هذه المعادلة جرت أحداثها في سورية قبل أيام؛ فخطوة جمع السلاح من السويداء وضمها لمشروع ترميم الدولة؛ تحولت لحرب أهلية كون خطوة إدارة الرئيس أحمد الشرع فاتها أن تحسب بدقة عملية التوازن بين ما يمكن أن تفعله إدارته في الداخل وما يستطيع أن يقدمه الخارج لإدارته.. وبرزت هنا إشارة لافتة وهامة وهي أنه ليس مهماً ما “يرغب” أن يقدمه الخارج من دعم، بل المهم والمعول عليه هو ما “يستطيع” أن يقدمه الخارج من دعم!!. فهناك فارق كبير و”قاتل” بين ما “يرغب” وما “يستطيع” الخارج.
ونفس الأمر يحدث الآن في تركيا حيث الرئيس رجب طيب أردوغان يحاول أن يضمن التوازن بين ما يمكن أن يفعله في الداخل (حل ملف حزب العمال الكردستاني والمسألة الكردية مع الدولة التركية)؛ وبين ما يستطيع أن يقدمه الخارج من دعم لمساعدته في إنهاء حقبة المشكلة الكردية المسلحة في تركيا وسورية وكل المنطقة.
ما يطلبه أردوغان من العالم هو إخراج “جماعة قنديل” (الجناح والرمزية العسكرية للكرد) ليس فقط من حزب العمال الكردستاني في سورية بل من كل الجسم الكردي في المنطقة.
وبالمقابل يتعهد أردوغان بإسم الدولة أن يسحب من الدستور التركي جيش المفردات التي تنتقص من حق الكرد كمواطنين سواسية وتؤمن لهم حقوقهم بمقابل واجباتهم..
ربما هنا في لبنان كما هناك في سورية وتركيا؛ فإن المطلوب إيجاد صيغة تقول “ما المطلوب حتى تحل المشكلة؟؟”؛ لأنه ليس بالإمكان حلها من خلال اعتماد آلية البحث عن الهرة السوداء في الغرفة المظلمة.
ومصطلح “ما المطلوب” يجب أن يشمل بتطبيقاته حزب الله أيضاً؛ فالأجوبة المطلوبة منه هو كيف يسهم من جانبه بحل ملف السلاح وليس كيف يدور بدوره في لعبة البحث عن الهرة السوداء داخل الغرفة المظلمة.
حتى الآن وحتى ما بعد يوم الثلاثاء فإن قرار حزب الله حسبما هو معلن هو رفض نقاش تسليم سلاحه؛ وبالمقابل فإنه حتى الآن وحتى ما قبل يوم الثلاثاء فإن قرار الدولة حسبما هو معلن هو انتظار جواب الحزب عن سؤاله بخصوص تسليم سلاحه!!.

