كيف كشفت تسجيلات الأسد ملامح العقل السياسي للنظام السابق؟
بقلم: اللواء الدكتور عبداللطيف بن محمد الحميدان
التسريبات تكمل هدم صورة بشار الاسد ونظامه البائد
تسريبات قناة العربية التي ظهرت أخيرا بين بشار الاسد ومستشارته لونا الشبل تقدم صورة عن البنية الداخلية للنظام السابق. فهي لا تبدو مجرد لحظة عابرة التقطتها كاميرا هاتف بل وثيقة تكشف طريقة تفكير السلطة وعلاقتها بالشعب خلال سنوات الحكم. ويظهر في التسجيلات خطاب يفيض بازدراء للغوطة وللفقراء وللجنود إضافة إلى سخرية من الحلفاء. وهذا يعيد تعريف الخطاب الرسمي الذي كان يقدم نفسه حاميا للوطن بينما كان ينظر داخليا إلى السوريين بنظرة استعلاء وانفصال كامل عن واقعهم.
وتأتي هذه التسريبات في لحظة سياسية مختلفة تماما. فسوريا لم تعد تحت حكم بشار الاسد الذي خرج من المشهد قبل عام. والسلطة اليوم بيد الرئيس احمد الشرع الذي يتحرك في المحافل الدولية ويشارك في المفاوضات ويقدم بصفته رئيسا شرعيا لمرحلة انتقالية. لذلك فإن هذه التسريبات لا تحمل قدرة على إسقاط نظام فقد سقط بالفعل. لكنها تعمل في عمق الوعي العام لأنها تعيد تعريف الحقبة السابقة وتضعها في سياقها الحقيقي. فهي لا تطيح بسلطة قائمة بل تطيح بصورة سلطة انتهت.
ومن هنا تكتسب التسريبات أهميتها لأنها تغلق الباب أمام أي محاولة لإعادة تدوير الاسد او إحياء حضوره السياسي او الشعبي. فهي تكشف طريقة حديثه عن شعبه وتظهر الاحتقار الذي كان يحكم نظرته للمناطق المنكوبة وللجنود ولعامة السوريين. وهذا يجعل القطيعة مع الماضي اكثر جذرية في الوعي السياسي والاجتماعي.
كما تمنح التسريبات دفعة قوية للمطالبين بمحاكمات وعدالة انتقالية. فهي تقدم مادة ملموسة تثبت ان الازمة لم تكن مجرد إخفاق في إدارة الدولة بل كانت انعكاسا مباشرا لطبيعة نظرة القيادة للشعب. وحين يتحدث رأس النظام السابق بهذه اللغة يصبح مطلب العدالة اكثر ثباتا لأنه لا يستند فقط إلى الأحداث بل إلى كشف واضح لطريقة التفكير التي قادت البلاد إلى المأساة.
وتفتح التسريبات ايضا بابا جديدا في العلاقات الدولية لسوريا الجديدة. فهي تقدم إحراجا واضحا لروسيا لأنها تظهر زعيم النظام السابق وهو ينتقد او يسخر من الحليف الذي دعمه عسكريا وسياسيا. وهذا يمنح القيادة الانتقالية مساحة اوسع لتأكيد ان المرحلة السابقة كانت مغلقة وان الحقبة الجديدة تنتمي إلى سياق مختلف. كما تستخدم هذه التسريبات لتعزيز ثقة الدول الراغبة في الاستثمار في سوريا لأنها تظهر ان الماضي بطبيعته المظلمة قد انتهى فعلا وان إعادة البناء تتم فوق أرضية سياسية جديدة.
وفي النهاية فإن التسريبات لا تغير واقعا سياسيا مستقرا الآن. لكنها تمثل وثيقة تكمل عملية الانتقال لأنها تؤكد ثلاث حقائق اساسية.
1. إنها تقطع الطريق امام أي حنين لعودة الاسد سياسيا او شعبيا.
2. إنها تقوي موقف المطالبين بالعدالة الانتقالية لأنها تكشف طريقة حديثه عن شعبه.
3. إنها تتحول إلى ورقة في السياسة الخارجية خصوصا في العلاقة مع روسيا وفي مسار الاستثمار الدولي لأنها تؤكد ان الحقبة السابقة قد انطوت.
وبهذا تصبح التسريبات جزءا من سردية سقوط الحقبة السابقة لا بوصفها حدثا إعلاميا عابرا بل باعتبارها دليلا إضافيا على عمق التحول الذي تشهده سوريا في زمن الرئيس الشرع.