“بايدن” و”العرب”.. ونهاية “الحرب الباردة”!
القاهرة- محمد سويد
“لن نترك فراغا تملؤه روسيا والصين وإيران في الشرق الأوسط”، هذا ما قاله الرئيس الأمريكي جو بايدن بملئ فيه.. جاء إلى جدة متحللاً من شعاراته الانتخابية، التى قضى بها على خصمه الجمهوري دونالد ترامب، في طريقه للبيت الأبيض، متطلعاً لتحقيق مصالحه، منقلباً على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي قدم نفسه للعالم حامياً لها، أميناً عليها.
“جو بايدن” الثمانيني المخضرم، الذي شاء التاريخ أن يكتب قرب نهاية فصول الحرب الباردة، بين القوى العظمى على يديه، لم تفلح حكمته في تجنيب العالم غضب القيصر الروسي، ردا على اجتياح الأخير أوكرانيا باحثاً عن امبراطوريته القديمة، فأشعل شرارة حرب الغذاء والطاقة بحزمة العقوبات الاقتصادية الأمريكية، التى أتت بأثر عكسي، وأدخل القارة العجوز- أوروبا- والعالم من خلفه في آتون نفق مظلم.
أعتقد أن جو بايدن لم يكن قد قرأ التاريخ، حين وعد بأن يجعل المملكة العربية السعودية منبوذة، ففي ذروة الحرب العالمية الثانية، أعلن الرئيس الثاني والثلاثين للولايات المتحدة، فرانكلين روزفلت، أن السعودية حيوية لمصالح الولايات المتحدة، واستقبل الملك عبد العزيز على متن السفينة الحربية، يو إس إس، ليؤمن إمدادات النفط لحلفه.
وكانت الضربة القاصمة للرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، وحليفته إسرائيل، يوم 17 أكتوبر1973، الذي اتفقت فيه الدول العربية مجتمعة، على استخدام سلاح النفط لمعاقبة كل من يدعم إسرائيل، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، إلى أن تحقق النصر لمصر في حرب أكتوبر المجيدة، وأعلنت إسرائيل انسحابها من أرض المعركة.
واليوم.. قد طوى جو بايدن صفحة الماضي، مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بزيارته إلى المملكة العربية السعودية، وعُقدت قمة عربية أمريكية، شاركت فيها كل من مصر والأردن والعراق والسعودية والإمارات العربية، وقطر، والكويت وعمان تحت عنوان – “قمة جدة للأمن والتنمية”- لا علاقة له بالهدف من الزيارة، لا بأس فإن تأت متأخرا خير من ألا تأت!
والحقيقة مجردة هنا، نقلتها شبكة CNN الإخبارية الأمريكية، على لسان روبرت جوردان، سفير أمريكا الأسبق إلى المملكة العربية السعودية، الذي قال إن: “الولايات المتحدة بحاجة إلى السعوديين، وهم يعرفون ذلك، لكن لدينا أيضاً بعض النفوذ معهم”، وهو ما أعتقد أن الرئيس (جو بايدن) يحتاج حقًا إلى التفكير في ممارسته”.
ووفقا لمركز “رع” للدراسات الاستراتيجية، فإن ملامح الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط، لنْ تكون على الشاكلة القديمة، أيْ أنّ القوى العالمية الكبرى الثلاث، أمريكا والصين وروسيا، ستتواجد بشكل أكبر، ربما يكون متساويا بينهم.
فقد صرّح المسؤولون السعوديون، أنهم سيعتمدون مبدأ النجاعة والتنوع، – شأنهم فى ذلك شأن مصر- في التزود بالأسلحة وبالتكنولوجيا، وبالمشاريع الاقتصادية الأخرى، بحسب ما تمليه عليه مصالحهم، وهنا نشير إلى أنّ بعض دول الخليج، انخرطت في مشروع طريق الحرير الصيني مثل دولة الإمارات، وكذلك في تزوّد بعض دول الخليج ببعض أنواع الأسلحة الروسية.
أما عن الفزاعة الأمريكية لما يسمى بالتهديد الإيراني الوجودى للمملكة العربية السعودية، فلم يلق هذا الطرح أذن صاغية لـ “بايدن” من قبل المملكة، التي أعلنت بأنها دخلت في التفاوض مع إيران، منذ فترة، وتَأْمَلُ في تنشيط هذا التفاوض أي أنّ السعودية، هي مَنْ ستُقرر شكل العلاقة مع إيران مستقبلاً، وليست أمريكا.
في حين أعلنت دولة الإمارات عن زيارة قريبة لقادتها إلى طهران، وبحسب مركز رع، فإن الأجندة الإسرائيلية في ملف الاتفاق النووي مع إيران، التي أراد “بايدن” أنْ يُشْرك فيها دول الخليج لم يتمّ التوافق حولها بالشكل الذي تريده أمريكا وإسرائيل وإن كانت أمريكا قد اعتبرت فتح المجال الجوي السعودي لإسرائيل خطوة على طريق التطبيع.
وفيما يتعلق بالنفط والتضخم الذى ضرب أمريكا وشتاء أوروبا القارص، والبديل للحرمان الروسي من إمدادات الطاقة، فلم يلق بايدن سخاءً من ولي العهد السعودي، الذي أعلن فى بيان ألقاه خلال أعمال قمة جدة، أن السعودية كانت قد أعلنت “زيادة مستوى طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يوميًا، وبعد ذلك لن يكون لدى المملكة أي قدرة إضافية لزيادة الإنتاج”.
أما عن لغة الخطاب المصري التي كأنت أكثر جرأة فى تعرية الصمت الأمريكي، حين قال الرئيس عبد الفتاح السيسي فى كلمته؛ “لم يعد مقبولًا أن يكون من بين أبناء أمتنا العربية، صاحبة التاريخ المجيد، والإسهام الحضاري الثري، والإمكانات والموارد البشرية الهائلة، من هو لاجئ أو نازح أو متضرر من ويلات الحروب والكوارث، أو فاقد للأمل في غد أفضل”، إنهم جميعا ضحايا الفوضى غير الخلاقة، التي عصفت بالمنطقة وكانت مصر جائزتها الكبرى، لولا عناية الله.
ولا يمنع كل هذا الإفراط في التمني بزوال الهيمنة الأمركية على الشرق الأوسط، من الاتفاق مع ما قاله السفير محمد العرابي وزير خارجية مصرالأسبق، إن الزيارة لم تحقق أهداف واشنطن، لكنه نبّه إلى أن العلاقة “ليس بالضرورة أن ترتبط بالأهداف الأميركية، فالمنطقة لديها رأي وموقف ومصالح، وبالتالي ربما هذه بداية نلاحظها، كرؤية استراتيجية جديدة في العلاقة العربية الأمريكية، بأننا (لن نُؤمَر ونُطيع)، بل نتحرك في إطار مصالحنا والاستراتيجية العربية التي لا تتعارض مع الاستراتيجية الأميركية”.