لطالما شكا أصحاب خطوط شركتي “ألفا” و”تاتش” من سوء خدمات الاتصالات وانقطاع الإرسال في العديد من المناطق، وكان الأمر “عادياً” لفترة طويلة من الزمن. ودائمًا تتمحور المبرّرات حول شحّ السيولة وتعذّر صيانة الشبكة. لكن اليوم، وبعد حوالى شهر على إقرار زيادة تعرفة الاتصالات، تحت حجة توفير مردود كافٍ للانكباب على إصلاح القطاع، لم يتغيّر شيئًا. لا بل تضاعفت الشكاوى من انقطاع الارسال وتعطّل الخدمات لتطال مناطق جديدة على الأراضي اللبنانية.
الشكاوى التي وصلت الى “المدن”، أظهرت أن بعض المناطق التي كانت تتميّز بجودة اتصالاتها وارسالها أصبحت اليوم شبه متوقفة عن الخدمة على صعيد الشركتين. وفي الشهر الأخير زادت وتيرة الأعطال الى حد خروج العديد من الخطوط عن الخدمة. وعبّر كثر عن امتعاضهم من تدهور شبكة الاتصالات الى حد كبير وعدم اجراء الصيانة المطلوبة للشبكة رغم زيادة الأسعار التي فُرضت على المواطنين بنسبة وصلت الى 500 في المئة.
مشاكل مع أصحاب العقارات
وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جوني القرم لفت في حديث لـ”المدن” الى أن المشاكل في القطاع هائلة جدًا. وكل منطقة من لبنان تعاني من شوائب عدّة على صعيد الاتصالات. وقال: “نبدأ من مشكلة السرقات التي ما زلنا نواجهها بمعدّل 50 سرقة شهريًّا لقطع ومعدات وبطاريات من مراكز ومحطّات شركتي ألفا وتاتش في معظم المناطق، ما يؤدي الى تعطّل الاتصالات قبل أن نعيد إصلاحها، فيما الأعطال التي تطرأ على مولّدات الكهرباء ليس في وسعنا إستبدالها بسرعة لأن لا مولّدات احتياطية لدينا. وبالتالي علينا إصلاح الأعطال. وهذا ما يستغرق وقتًا ويطيل من أمد انقطاع الإرسال أو الخدمات الهاتفية”.
وأضاف القرم: “من جملة المشاكل التي نعانيها وتساهم في انقطاع الارسال في العديد من المناطق، التباينات التي تحصل بين شركتي الاتصالات وأصحاب الأراضي او العقارات التي نشغّل عليها محطات الإرسال، لأسباب تتعلق بمستحقاتهم الماليّة التي يرفضونها مطالبين بزيادتها. لذا يمنعون موظفي وعمال الشركتين في أغلب الأحيان من الدخول الى المحطات للعمل فيها أو صيانة أعطالها. هذا عدا عن قطع الكهرباء عنها. إضافة الى ان بعض الشركات المتخصّصة في صيانة شبكة الاتصالات بشكل دوري، هي شركات خارجيّة وليست محليّة، وتطالب بأموال نقديّة لتحقيق هذا الأمر. وهذا يتطلب توفّر سيولة كبيرة من مردود القطاع”.
برنامج إصلاحي مرتقب
وأوضح القرم: “صحيح أن تعرفة الاتصالات ارتفعت، لكننا لم نتسلّم مدخول الشهر الأول من تنفيذ القرار. ومن المفترض أن نتقاضى مردود قرار رفع التعرفة في 8 آب المقبل من شركة ألفا وفي 18 آب من شركة تاتش”. وقال: “هناك مصاريف كبيرة مكسورة ويجب دفعها عند تقاضي المدخول الأول. ومن يعتقد أن القطاع سيزدهر في كبسة زر هو مخطئ. فالتحسّن يحتاج الى وقت، وسنبدأ به من خلال برنامج سأعلن عنه قريبًا بالتفاصيل لوضع الرأي العام في مسار التقدّم الذي سيلحظونه بشكل تدريجي “.
ولفت القرم إلى أنه “الوزارة أقدمت على تركيب 250 نظام طاقة شمسية لمحطات ومراكز شركة ألفا و160 لمحطات ومراكز شركة تاتش كي توفّر الكهرباء على المدى الطويل دون أن تعترضنا أي مشاكل متعلقة بالتغذية وتوفّر المازوت وتكاليفه المرتفعة”.
وعن أزمة الإرسال التي تعاني منها القرى والبلدات التي تقع على اطراف لبنان، أفصح القرم عن خطّة يتم وضع أطرها وتُدعى “National roaming”، وتقضي بالاستغناء عن وجود محطة لكل شركة في المنطقة نفسها، ووضع محطّة واحدة من إحدى الشركتين، تعمل بنظام ناقل الى خطوط الشركتين دون فرق بجودة الخدمة، والهدف من ذلك تعويض ضعف إحدى الشركتين بقوّة الشركة الثانية، وهذا الأمر يحتاج الى تمويل إذ ان شركات متخصّصة ستتولى تركيب الأنظمة لتفعيل تلك الخطة.
خطوة تصعيدية لمالكي العقارات
ناجي.م، وهو مالك أحد العقارات الذي توضع عليه أبراج الإرسال ومحطات شركتي الاتصالات، أقرّ عبر “المدن” بأنه قطع الكهرباء عن محطة الإتصالات لديه، محتجًّا على إبقاء تعرفة الإيجار على سعر الصرف الرسمي رغم الزيادة الهائلة التي فُرضت على الناس بقرار حكومي، متسائلًا: “هل يُعقل أن تتذرّع الوزارة بأكلاف القطاع لتمرير تلك الزيادة وعندما نتحدث نحن عن أكلافنا يتم صدّنا بشتّى الطرق؟ّ”.
وتابع: “المصاريف لم تعد كما كانت عليه في السابق، فالإيجارات كلها ارتفعت في كافة المناطق، تكلفة المازوت أصبحت باهظة، إن توفّر، اشتراكات المولّدات الخاصة وصلت فواتيرها الى مستويات خيالية، وهذا كله يحتّم على الدولة تعديل التعرفة لتصبح على سعر منصة صيرفة بالحد الأدنى”.
وإضافة الى قطع الكهرباء، قال ناجي: “لن أسمح بدخول أي شخص معني بأي شركة اتصالات الى العقار الذي توجد فيها محطة الارسال، لذلك أمنع فرق الصيانة من الدخول حتى إشعار آخر”. ولوّح بخطوة تصعيدية مرتقبة لعموم مالكي العقارات المؤجرة للوزارة على كافة الأراضي اللبنانية اذا ما بقي الوضع على حاله، لأن المساحة المؤجرة لدينا يمكن استثمارها بأمور مربحة أكثر من مشروع محطة الاتصالات في ظل التعرفة الحالية.
مرحلة النّفضة
ورغم المشاكل التي يعاني منها القطاع، أكد وزير الاتصالات لـ”المدن”: “أهم ما يجب توقّف الرأي العام عنده اليوم إزاء قرار رفع التعرفة، هو وضع القطاع على سكة التعافي بعدما كان يتهاوى. فاليوم بدأنا في مرحلة “النّفضة” التي لا يمكن إطلاقها سوى بأموال إضافية تخوّلنا وضع برنامج إصلاحي وخطط مجدية”. وكشف: “قبل قرار رفع الأسعار، كنّا بصدد الذهاب الى قرار تقنين الاتصالات كما يحصل في قطاع الكهرباء، ومن السهل ايجاد بدائل للأخير، لكن في الاتصالات لا بديل عن زيادة التعرفة. لذلك كنت مصرًّا على اتخاذ هذا القرار الذي سيجلب مدخولًا ماليًّا للقطاع والابتعاد عن فكرة التقنين”.
وبعد تقديم أكثر من شكوى أمام مجلس شورى الدولة على خلفية الاعتراض على قرار مجلس الوزراء رقم 155 تاريخ 20 أيار 2022 المتعلق برفع تعرفة الاتصالات، قال القرم إنه لم يتسلّم أي جواب رسمي حتى الساعة، وهو ما زال ينتظر قرار القضاء في هذه القضية، مشيرًا الى أنني “تواصلت مع رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي الياس الذي يتميّز بالتزامه المهني بأصول عمله، مؤكدًا أنه “لم يحصل أن سرّب لي أجواء حول قراره النهائي وبالتالي ما زلت قيد الانتظار”