تتفاوت الزيادة على الأقساط المدرسية بين مدرسة وأخرى إلا أنها برغم اختلافها كانت دافعاً أساسياً لعائلات كثيرة إلى نقل أولادها من مدرسة إلى أخرى بعد تعذّر تحمّل التكاليف. لا شيء ثابتاً في مسألة الزيادة، وقد اتخذت كلّ مدرسة معيار الزيادة بالعودة إلى تكاليفها وعدد طلابها وتعدّد الشُعَب لكلّ صفّ. وبعمليّة حسابيّة بسيطة تتراوح هذه الزيادة من 150 دولاراً للمدارس الصغيرة وصولاً إلى 1000 دولار للمدارس الكبيرة.
وككلّ أمرٍ في لبنان، شملت تأثيرات الدولار القطاع التربوي، فاتّخذت المدارس قراراً بتحصيل جزء من القسط بالعملة الأجنبيّة لضمان استمراريتها وفق ما تقول، في حين أن لسان الأغلبيّة من الأهالي أن أجورهم فقدت قيمتها، ومعظمهم ما زالوا يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانيّة.
في الآتي، عينة من الزيادات التي أقرّتها بعض المدارس – على سبيل المثال لا الحصر – والتي تكشف وجع الأهالي وخيبة الأساتذة. أصبح القسط في مدرسة Jesus & Mary school نحو 10 ملايين ونصف بالليرة اللبنانية، بالإضافة إلى 850 دولار على كلّ ولد. وكلّما تقدّم التلميذ في صفّه الدراسي زادت التكلفة قليلاً بطييعة الحال.
في مدرسة القلبين الأقدسين في السيوفي، تبلّغ الأهالي زيادة على الأقساط لتبلغ نحو 15 مليون ليرة لبنانية و550 دولار بالفريش دولار.
أما المدرسة المركزية للرهبان اللبنانيين فتتراوح تكلفة الأقساط بين 8 ملايين لصفّ الحضانة وصولاً إلى 12 مليون ونصف للمرحلة الثانوية، بالإضافة إلى 250 دولاراً عن كلّ ولد.
أما قسط الأنطونية فبلغ 12 مليون ليرة و500 دولار، بالإضافة إلى 100 دولار تُدفع قبل بدء العام الدراسي، وإلا اعتُبر الطالب غير مسجّل. وفي مدرسة اللعازرية – الأشرفية بلغ القسط نحو7 ملايين ونصف، بالإضافة إلى 250 دولاراً.
أما بالنسبة إلى مدرسة “فال بار جاك” فتراوحت الزيادة ما بين 13 مليون لصفوف الروضة، بالإضافة إلى 300 دولار، و13 مليون و500 ألف للصفوف الثانوية، بالإضافة أيضاً إلى 300 دولار.
هذه العيّنة الصغيرة من الأقساط تكشف أن لا قانون ينظم الزيادة على الأقساط لكلّ المدارس بطريقة قانونية، والصرخة الأكبر عند الأهالي أن هذه الزيادة التي تأتي تحت ذريعة إعطاء الحقوق للأساتذة ليست صحيحة. والخوف الأكبر الذي يلاحق الأهالي يتمثل في إقرار المادة 2، فيما العين على مجلس النواب لإعادة طرح اقتراح قانون يتعلّق بموازنة المدارس الخاصّة وتحديد أقساطها، والذي يقضي بتجميد المادة 2 من القانون 96/515 التي تضبط الأقساط في المدارس الخاصّة لعام واحد، ممّا يعطي الضوء الأخضر لهذه المدارس لرفع أقساطها من دون سقوف.
المدارس والأساتذة والأهل والطلاب على حدّ سواء في مهبّ المجهول، والأشهر القليلة المقبلة – كما يبدو – ستكون مفصليّة وستشهد نزوحاً لافتاً إلى المدارس الرسمية بعد زيادة متفاوتة للأقساط في المدارس الخاصة.
حالة ضياع وترقب
تعيش جوزفين حالة ضياع، فالاختيار بين الصّعب والأصعب قرار لا بدّ منه، ولكنّه بالنسبة إليها وإلى ابنها الوحيد مصيريّ. لا يسمح وضعها الماديّ بتحقيق ما تريده لأولادها، إلا أنها تحاول أقلّه الحفاظ على الحدّ الأدنى؛ هي التي خرّجت ابنتها الكبرى منذ سنة لتشق طريقها في التخصص الجامعي، وجدت نفسها اليوم عالقة بين خيار إبقاء ابنها في المدرسة الخاصّة التي يدرس فيها، وبين نقله إلى مدرسة رسمية، لأن لا قدرة لها على تحمّل زيادة الأقساط المستمرّة.
زيادة الأقساط بطريقة مستمرّة دفعتها إلى التفكير ملياً في نقله إلى مدرسة رسميّة حيث تكون وطأة المصاريف أخفّ بكثير، غير أن هواجسها العاطفية تمنعها من ذلك. فهي تخاف عليه من “الجو السلبيّ” كما تقول. “لا أريده أن يرى الفوضى وعدم الالتزام والتلهي عن دروسه. أنا أعرف جيداً كيف هي الأجواء في المدرسة الرسمية القريبة من منزلي، وأخاف عليه أن يُضيّع ما حصده طوال السنوات الماضية من جهد وتعب حتى أصبح من بين المتميّزين في الصف”.
لا تريد التعميم، فهي تعرف جيّداً أن لكل مدرسة نهجها الخاصّ وسلبياتها وإيجابيّاتها، لكنها مترددة في مسألة نقل ابنها، وتنتظر حتى تتبلور الأمور أكثر. تؤكد “سنبحث في كلّ التفاصيل، وسأدرس الموضوع جيداً لأنني لن أتراجع عن القرار متى اتخذته. لذلك أفضّل التريّث قليلاً، ولكن في حال بقي في مدرسته الخاصّة فسيكون علينا أن نتخلّى عن أمور كثيرة حتى نبقى صامدين، خصوصاً أن لا شيء يوحي بانفراج قريب”.
أفضل من لا شي
الوضع ليس أفضل حالاً بالنسبة إلى المعملين والمعلمات. صحيح أن زيادة الأقساط جاءت بذريعة “زيادة الرواتب للأساتذة” إلا أنه على أرض الواقع ، حال كثيرين منهم لا تختلف عن حال الأهالي ووجعهم، وفق ريما التي تدرّس في إحدى المدراس الصغيرة في بيروت منذ 16 عاماً. تقول: “منذ دخولي معترك التعليم لم نشهد زيادة على رواتبنا إلا تلك التي أقرّتها الدولة. بدأت في العمل في تلك المدرسة بعد تخرّجي الجامعي. كان راتبي آنذاك 400 دولار أي ما يوازي 600 ألف ليرة لبنانية. كنت أعتبرها بداية جيدة لخرّيجة حديثة، وأنه لا بدّ من اكتساب الخبرة قبل المطالبة أو البحث عن فرص أفضل”.
بعد سنوات بقي راتب ريما كما هو من دون أيّ زيادات أو حوافز مالية تُشجّع على الاستمرار، ثمّ في مرحلة الأزمة الاقتصاديّة – تشير ريما – إلى أنه “كان لا بدّ من رفع الصوت لأنّ راتبي بات يساوي تكلفة التنقلات من وإلى المدرسة. وبعد اعتراض وتهديد بتقديم استقالات جماعية، ارتأت الإدارة زيادة مليون على رواتبنا لمدّة 9 أشهر فقط تنتهي في أول أيلول، ومن بعدها سيكون العام الدراسي الجديد بتعديلات أكبر حين تعطي الإدارة 150 دولاراً، بالإضافة إلى زيادة بسيطة على الراتب اللبناني. وبالنهاية سيكون ذلك أفضل من لا شيء”.
زيادة محدودة
كذلك الأمر بالنسبة إلى بلال، وهو مدرّس جغرافيا وتاريخ وتربية، وحاله كحال كثيرين من الذين أعطوا هذا السلك التربويّ سنوات طويلة من جهد وتضحية في حين بقيت رواتبهم خجولة.
يوضح لـ”النهار” أنه كان يتقاضى على شهادة الـLicense منذ تخرّجه في الجامعة ودخوله إلى المدرسة نحو مليون و80 ألف ليرة. كان هذا الراتب جيّداً كانطلاقة لي، وكنا ننتظر زيادة الدرجات التي كانت تزيد، ولو بنسب بسيطة على الراتب، ولكنها كانت “أحسن من ولا شي”.
ويُضيف “مرّت السنين، فمضى على وجودي في المدرسة كأستاذ نحو 11 عاماً. كنا كسائر القطاع التربوي والتعليميّ ننتظر ما ستؤول إليه سلسلة الرتب والرواتب. ولكن ما كنّا نعانيه من إجحاف في الحقوق بات مصغّراً عمّا نواجهه اليوم نتيجة الأزمة الاقتصادية التي عصفت بكل القطاعات ومنها القطاع التعليمي”.
ويؤكد بلال أنه “نتيجة الضغوط وعدم قدرتنا على الاستمرار بسبب الغلاء وارتفاع أسعار المحروقات وتدنّي قيمة الراتب مع الارتفاع الجنونيّ للدولار، قرّرت المدرسة زيادة 35-40% على قيمة الراتب. ولكن فعلياً لم تتخطّ الـ25% أي نحو 900 ألف ليرة، وجاءت كمساعدة مالية ولم تكن من ضمن الراتب. وزادت المدرسة من قيمة بدل النقل من 8000 إلى 24 ألف ليرة قبل أن يرتفع إلى 65 ألف ليرة قبل نهاية العام الدراسي”.
وعليه، وصل راتب بلال بعد كلّ هذه التعديلات من دون احتساب بدل النقل إلى مليونين و800 ألف، أي إلى ما دون الـ3 ملايين ليرة لبنانية. وفي حال احتساب بدل النقل يصل كحدّ أقصى إلى 3 ملايين و700 ألف ليرة.
يقول بلال “لو ما بعضنا يتشارك السيارة لتوفير تكاليف النقل، لكان راتبنا يساوي تكلفة النقل شهرياً للوصول إلى المدرسة. اليوم يُحكى عن زيادة على الأقساط، سيكون جزء بسيط منها بالفريش دولار، ومن المتوقّع أن تتراوح ما بين 100-150 دولاراً، بالإضافة إلى زيادة بالليرة اللبنانية بحدود الـ20-30%، أي قد يصل القسط إلى 6 ملايين ليرة بعد أن كان خمسة ملايين السنة الماضية، مع إضافة جزء من الفريش دولار”.
حاول بلال البحث عن فرصة عمل خارج لبنان. وبعد إجراء مقابلات لم تصل الأمور إلى خواتيمها السعيدة. برأيه “حاله كحال كثيرين من المعلّمين الذين ينتظرون ساعة الفرج، لأن الأمور لن تبقى على حالها، ولكن إلى حين حلول هذه الانفراجة عليه أن يتشارك السيارة مع أصدقائه كما السنة الماضية حتى يوفّر تكلفة التنقل”.
أزمة متواصلة
أما بالنسبة إلى ربيع الذي يعمل في إحدى المدارس في بعبدا منذ 14 عاماً، فالحال ليست أفضل بكثير. برأيه “المسألة لا تتعلق بالمدرسة بحدّ ذاتها إنما بالقطاع التربوي ككلّ الذي يعاني كما قطاعات أخرى من انهيار العملة والأزمة الاقتصادية التي تشتد حدة. “فقد كانت بدايتي في المدرسة براتب يساوي 730 دولاراً على الـ1500 كمدرّس لغة عربية، وكنت استحصل على الدرجات القانونية في وقتها، بالرغم من أنها لم تكن تساوي الكثير. ومع ذلك كان وضعي يعتبر جيداً إلى أن بدأت قضية سلسلة الرتب والرواتب في العام 2012 والتي لم تقرّ وتنفذ حتى العام 2021”.
ويؤكّد أن “هناك كثيرين تركوا المهنة لعدم قدرتهم على المواصلة والصمود، والذين بقوا هم في أغلبيّتهم أساتذة متزوّجون ولديهم عائلات. أما العازبون فقد هاجروا ويعملون في الدول العربية كالكويت، قطر وغيرهما…”.
صحيح أن المدرسة التي يعمل فيها ربيع حاولت إعطاء محفزات كثيرة حتى تُحافظ على الأساتذة والمدرسين لديها لكن أزمة المدراس هي بنسبة كبيرة مسؤولية الدولة. اليوم فرضت المدرسة أقساطاً جديدة لتحافظ على استمراريتها واستمرار الموظفين لديها، حيث تتراوح الزيادة بالفريش دولار ما بين الـ700-900 دولار حسب الصّف، في حين كانت قد زادت على القسط اللبناني السنة الماضية بنسبة الضعف، أي بعد أن كان القسط نحو 5 ملايين ليرة بلغ اليوم 10 ملايين ليرة لبنانية. والذي اختلف اليوم هو الزيادة بالفريش دولار.
اليوم يرى ربيع أن المعادلة باتت هي بقاؤه في المدرسة مقابل تعليم أولاده مجاناً؛ فهذه هي العملية الحسابية التي تبقي ربيع وغيره في هذا القطاع إلى حين حلحلة الأمور وعودة المياه إلى مجاريها في هذا البلد.
المصدر:النهار