بقلم الشيخ مظهر الحموي
ونحن في ظلال الهجرة النبوية الشريفة تشرئب الأعناق الى تلكم المحطة المفصلية في تاريخ الدعوة الإسلامية لنمتثل منها المعاني والعبر نستلهمها في حياتنا وسلوكنا ومنهج عملنا .
وقبل أن نقف مع أبرز تلكم المغازي والدروس التي نستلهمها من أجواء هذه المناسبة لا بد أولاً من الإشارة الى أهمية التاريخ الإسلامي بهذا الحدث العظيم كما قرر الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، نظراً لأهميتها المصيرية في حياة الرسالة الإسلامية والدعوة المحمدية ، خلافا لمقترحات أخرى بالتاريخ بولادته ﷺ أو نزول الوحي عليه أو بالإسراء والمعراج أو وفاته لأنها توجز في معاني الهجرة التي هي حد فاصل بين حياة الضنك والمجاهدة الى مدينة الاخاء والنور المدينة المنورة.
هي هجرة الظلم والقهر ، هجرة الحياة الدنيا الى الآخرة ، وقد إستوعب الصحابة الكرام رضي الله عنهم مدى التضحية والمعاناة والمكابدة في ترحال الرسول الحبيب ﷺ وسط صحراء القيظ وجبال الوعر مع صاحبه الصديق أبي بكر رضي الله عنه ، الى غار ثور وقد أدركهما كفار قريش { إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ثَانِیَ ٱثۡنَیۡنِ إِذۡ هُمَا فِی ٱلۡغَارِ إِذۡ یَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِینَتَهُۥ عَلَیۡهِ وَأَیَّدَهُۥ بِجُنُودࣲ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ ٱلسُّفۡلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِیَ ٱلۡعُلۡیَا وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمٌ }
فالهجرة إنتقال الى مجتمع أفضل يصون الرسالة ويحتضن رسولها ومعه المهاجرون الذين هجروا المتاع والدور والأموال والمواشي والأهل فراراً بدينهم الى أرض الأنصار الذين قاسموهم دورهم وطعامهم وشرابهم وأموالهم في أروع مثال على الأخوة الحقة التي لم يعرف لها التاريخ مثيلا.
هي هجرة من زيف الدنيا وبهرجها وليس طلبا لملك أو جاه أو منصب وقد أعز الله رسوله فنصره ورفع رايته، فإنطلقت دولة الإسلام وإنبعث النور من مدينة النور الى أصقاع العالم يشع حضارة وعلماً ومدنيةً وينشر دين الله وصدق الله العظيم { وَرَأَیۡتَ ٱلنَّاسَ یَدۡخُلُونَ فِی دِینِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجࣰا }
هي ذكرى وليست عيداً، أجل ، ولكن فيها العديد من العبر التي نقف إزاءها خاشعين مستذكرين وقائعها منذ تعاهد كفار قريش على التربص به بأن يتطاولوا عليه .
إن سيرة الرسول الكريم منذ ولادته ونشأته ويفاعته وشبابه ونزول الوحي الإلهي عليه، ثم صبره وتحمله الأذى في دعوته المكية طوال ١٣ عاما لهي خير نموذج للمعاناة التي استعذبها عليه الصلاة السلام في سبيل الله، وأفضل وسيلة لنشر هذا الدين ، بما يتمتع به رسولنا الكريم من مواصفات خلقية ، وحكمة تجلت في الصبر على أذى قريش حتى يرسي السفينة الى بر الأمان.
فمتى نستلهم المعاني والعبر فنهجر سوء عاداتنا وأخلاقنا وتصرفاتنا لننتقل الى حلة أرقى ؟
متى نتمثل دروس الصبر والمجاهدة لنطبقها على مسيرتنا وسيرتنا ، إذ لا نجاة من قلق الدنيا وتوترها إلا بمرضاة ربنا .؟
ومتى نحث إدارات المدارس والمعاهد الإسلامية لكي يتقنوا التاريخ الهجري ويطلبوا من طلابهم أن يدونوه في الواجبات المدرسية الى جانب التاريخ الميلادي.؟
ومتى تستشعر هذه الأمة أن أبناءها قد هجروا حال الدعة والركون فيما لا يزال العدو الاكبر بنو صهيون يتجرأون على مقدساتنا وحرماتنا وأرضنا؟
نعم إنها ليست مناسبة للخطب ومنتديات الأناشيد الإسلامية، بل هي محطة مفصلية ، كم تتجلى فيها الدروس والعظات والعبر .
فما أحوجنا الى هجرة حاسمة ننتقل بها الى رحاب الحياة المثلى بعد أن إستذكرنا مدى التضحيات الجسام التي قدمها الرسول الكريم ﷺ في مسيرة ١٣ سنة من الدعوة المكية ، ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون.
هي هجرة نرجوها للعصاة كي يثوبوا الى رشدهم وللأشحاء كي يبذلوا ما فرض الله عليهم والى الذين تكاسلوا عن أداء الفرائض أن يهجروا وساوس الشيطان فالمسار طويل والعمر قصير والزاد قليل.
أخوكم الشيخ مظهر الحموي
كل عام هجري وأنتم الى الله اقرب