كتبت بولا أسطيح في “الشرق الأوسط”:
يحيي الجيش اللبناني الاثنين عيده السابع والسبعين باحتفالات تشوبها الغصة نتيجة، ما آلت إليه أوضاع العسكريين جراء الأزمة المالية غير المسبوقة التي يرزح تحتها البلد ككل، مما أفقد رواتبهم قيمتها وأجبرهم على طلب تسريحهم أو الفرار أو ممارسة جزء كبير منهم أعمالاً خارج دوام الخدمة العسكرية لتأمين القوت اليومي لعائلاتهم، ولسان حالهم يقول: بأي حال عدت يا عيد؟». وتتكئ القيادة العسكرية منذ فترة على المساعدات التي تصلها من كل حدب وصوب لتأمين صمود العناصر بعدما نفضت السلطة السياسية يدها من الموضوع مع اقتراب مرحلة نفاد احتياطات مصرف لبنان.
ويتقاضى الجندي اللبناني راتباً تبلغه قيمته نحو مليون و296 ألف ليرة، مما كان يساوي 864 دولاراً قبل انهيار سعر الصرف، ليصبح اليوم عند مستوى 44 دولاراً على أساس سعر صرف 29 ألفاً للدولار الواحد. ويتصاعد الأجر في أعلى الهرم إلى اللواء ليصبح 8 ملايين و455 ألفاً، أي نحو 291 دولاراً اليوم بعدما كان 5637 دولاراً.
ومنذ نحو شهرين يتقاضى العسكريون راتباً إضافياً وينتظرون مساعدات أخرى تجعل رواتبهم قادرة على إعالة عائلاتهم، أبرزها المبلغ الشهري المقطوع الذي كانت قد أقرته الحكومة وقيمته مليون و200 ألف ليرة لبنانية، أي نحو 42 دولاراً أميركياً لكل عنصر أمني.
ويقول ر. ك (30 عاماً)، وهو جندي في الجيش إنه «رغم المبالغ الإضافية التي يحصل عليها العناصر منذ أشهر فإنها تبقى دون قيمة تذكر، لذلك يسعى كثيرون لتقديم أوراق تسريحهم ويطمحون لمغادرة البلاد». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «أنا مثلاً بت أعمل في أحد المطاعم بدوام ليلي وأضطر لأستيقظ صباحاً للتوجه إلى مركز خدمتي ومعظم من أعرفهم داخل المؤسسة يقومون بالمثل وإلا لما كنا تمكننا من الصمود حتى يومنا هذا».
وبات انتقال العناصر إلى مراكز عملهم مشقة كبيرة مع الارتفاع غير المسبوق في سعر البنزين مع انعكس تلقائياً ارتفاعاً كبيراً في تعرفة باصات النقل الخاصة بغياب وسائل النقل العام في لبنان. ولعل أبرز الإجراءات المتخذة منذ انفجار الأزمة المالية الاقتصادية عام 2019. وهي إجراءات لم تعرفها المؤسسة العسكرية يوماً، هي: التغاضي عن قيام العسكريين بأعمال أخرى خارج دوام عملهم، تقليص أيام وساعات الخدمة للحد الأدنى، زراعة الأراضي المحيطة بالثكنات وتوزيع مردودها على العناصر وعائلاتهم، الموافقة على طلبات تسريح العديد من الضباط والعناصر، وقد وصلت الأمور مؤخراً لحد طلب مساعدات من شركات خاصة لتأمين الغذاء للعناصر.
وارتأت القيادة العسكرية أن تتخذ «77… وما مننكسر» شعاراً لعيد الجيش هذا العام، «للتأكيد أنه رغم كل الصعوبات التي تمر بها المؤسسة فهي كانت وستبقى صامدة»، على حد تعبير مصدر عسكري. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «مهام كبيرة ملقاة على عاتق الجيش اليوم في ظل أوضاع صعبة جداً يرزح تحتها، وبخاصة مالياً ومعيشياً، لكن إرادة الصمود والتحدي تبقى هي الأساس، خاصة أننا على يقين أنها شدة وستزول».
وتعوّل القيادة على الحصول على مبالغ مالية من الخارج لدعم العناصر ورفع رواتبهم باعتبار أن كل المساعدات التي تصلها من الدول هي بمعظمها طبية وغذائية، إضافة لمساعدات مالية من لبنانيين مقيمين ومغتربين يتم تخصيص معظمها لتغطية طبابة العسكريين وعائلاتهم.
وأعلنت دولة قطر مطلع شهر تموز الماضي عن مساهمة بقيمة 60 مليون دولار لدعم الجيش اللبناني. وكشفت معلومات «الشرق الأوسط» أنه يتم وضع الآلية اللازمة لتوزيع هذه الأموال على العناصر. وتُعتبر الولايات المتحدة الأميركية الداعم الأبرز للجيش بالأسلحة والعتاد والتدريبات العسكرية.
ويبلغ عديد الجيش اللبناني 74 ألفاً، وفي عام 2017 اتخذ قرار بوقف التوظيفات في القطاع العام، إلا أنه وبإطار «التوظيفات العشوائية غير القانونية»، التي سبقت الانتخابات النيابية عام 2018 تم توظيف نحو 5 آلاف عنصر أمني معظمهم في المؤسسة العسكرية.
ويُحمّل العميد المتقاعد جورج نادر السلطة السياسية مسؤولية ما وصل إليه حال الجيش، ويقول: «بدل تقديم الدعم للمؤسسة العسكرية في هذه الأزمة رأينا دعماً عشوائياً لمواد كان مصيرها التهريب والسوق السوداء»، منبهاً لخطورة استمرار الوضع على ما هو عليه. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «بات راتب العنصر لا يكفي لشراء الخبز لعائلاته، لذلك بات الجميع يبحث عن مصدر دخل آخر، وهو أمر وإن كنا ندرك أنه لا غنى عنه اليوم، إلا أنه خطير إذ يفقد العنصر تركيزه خلال الخدمة العسكرية». وشدد نادر على وجوب «الاستنفار لتأمين صمود الجيش الذي يبقى وحيداً العمود الذي يتكئ عليه الوطن، وإذا ما اهتز هذا العمود عندها يسقط السقف وتكون الكارثة».