خاص الهديل
حرب يائير لابيد على غزة ، لديها رزنامة أهداف أمنية استخباراتية ورسائل سياسية، بأكثر مما لديها أهداف عسكرية وسياسية استراتيجية.
اول الأهداف الاستخباراتية هو تفكيك ما اسمته القيادة العسكرية الإسرائيلية ” الترتيب القيادي العسكري لحركة الجهاد الاسلامي”، وذلك من خلال تنفيذ سلسلة من الاغتيالات ضد لائحة تتضمن اسماء للاشخاص الذين يشكلون البنية القيادية العسكرية والأمنية الأساسية في حركة الجهاد.
وتدعي إسرائيل انها حققت نسبة عالية من هذا الهداف ؛ من خلال توجيه ضربات أمنية منسقة بين القوات الجوية وجهاز الشاباك.
الهدف الثاني هو وضع هندسة سياسية جديدة لميدان الحرب في غزة ؛ أو ما يقارب تسميته بوضع قواعد اشتباك إسرائيلية جديدة في غزة وربما في الضفة الغربية وفي لبنان، تقوم على إعلان الحرب على فصائل تؤيدها ايران في غزة ولبنان وسورية ، والقول ان ما يحدث ليس حربا إسرائيلية على غزة ولبنان وسورية ..
.. بمعنى اخر ، فان حرب يائير تثبت انه ذهب لترسيخ معادلة تقول ان حربه ليست على غزة ، بدليل ان حماس لن تشارك فيها، بل هي حرب ضد الجهاد الاسلامي ( الايراني ) في غزة ، وضد ايران في غزة ، وضد الأجندة الإيرانية في غزة ، الخ..
والواقع أن موقف حماس المعتكف عن المشاركة في حرب ” توحيد الساحات”، أعطى استراتيجية لابيد هذه، بريقا معينا، ومنحها احتمالات القدرة على النجاح..
ولقد ذهب يائير لابيد بعيدا بالاستثمار بهذه الخطة الجديدة في غزة ، حيث أن المطلب الأساس الذي اعلنه لمحادثيه المتوسطين لإنهاء الحرب في غزة – حسبما اوردت معلومات صحفية امس- ، لم يكن تسليم سلاح حماس او فرض قيود على حركة الجهاد ، بل كان “رفع يد ايران عن ملف غزة ” ..
ان ما أظهرته حرب غزة يؤشر إلى أن إسرائيل غيرت قواعد الاشتباك الذي اتبعته منذ فترة طويلة ، في صراعها مع فصائل المقاومات الإسلامية في غزة والضفة الغربية وفي لبنان وسورية وصولا للعراق ..
فلاول مرة في حرب غزة، تبادر إسرائيل اولا إلى فتح مسار التصعيد توصلا لبدء الحرب، وتبادر أيضا الى البدء بإطلاق الرصاصة الأولى في الحرب ، والصاروخ الأول وتنفيذ العملية الاولى..
وكانت جرت العادة أن تلتزم إسرائيل باستراتيجية أن تبدأ الحرب ضمن تكتيك إظهار نفسها انها بموقع رد الفعل ، لكن هذه المرة فان إسرائيل هي التي استفزت الجهاد الاسلامي باعتقال مسؤوليها، وهي التي بدأت بإطلاق غارات مكثفة على مواقع الجهاد الإسلامي في غزة .
والواقع أن هذا المؤشر الجديد الذي أدخلته إسرائيل على قواعد الاشتباك في غزة ، يحتم على كل القوى التي تطرح نفسها على انها ضمن ” محور الممانعة” ؛ وبضمنها حزب الله، ان تتحسب لإمكانية ان تفاجئها إسرائيل بأن تبادر لتبدأ هي العملية الاولى في الحرب.
ان الامر الاخر الذي اظهرته حرب إسرائيل في غزة، هو ان هناك معادلات يتم العمل على تثبيتها داخل مجتمع الفصائل التي ترفع شعار مقاومة اسراىيل ؛ وهذه العملية تتقصد اجراء فرز وقطيعة بين محور حماس وبين محور الفصائل المؤيدة لإيران.
ومن خلال الوقائع العسكرية والسياسية التي شهدتها غزة خلال الأيام الثلاثة الماضية، يمكن القول أن ميدان غزة لم يكن موحدا ، فحماس تحفظت على الانخراط في معركة اعتبرت، على ما يبدو، أن حساباتها وضعتها حركة الجهاد الاسلامي، وبالمقابل فان الجهاد نصبت نفسها على انها تخوض معركة توحيد الساحات، وذلك حتى لو كانت حماس خارجها.
ان المطلوب اليوم عدم المكابرة، والتلطي وراء عدم الاعتراف يوجود مشكلة داخلية في غزة ، لان عدم المسارعة لبدء حوار صريح بين حماس والجهاد على اساس الأجندة الفلسطينية، سيكون خطيئة، وسيؤدي إلى صدام بينهما يكرر تجربة الصدام الشهير بين فتح وحماس في غزة ..