“لا بدّ من أنّ عروساً قد مرت من هنا”، هذا ما قالته طفلةٌ لأمها عندما مرت بجانب الورد المتناثر على رصيف المدينة. استأنفت بعدها الحديث وقالت:” أريد أن أكون مثلها، أرش بالورد الأحمر الجميل عندما أكبر”.
اعتلت علامات التوتر والخوف وجه الام لتسكت ابنتها قائلةً “تف من بؤك!”. نعم، جميعنا يعشق الورد ، ولكننا لم نرضَ أن نقطفه فنقتله ونبعده عن أمه التي احتضنته في ترابها ورعته لتراه يتفتح بجمالٍ أمامها. لم نقتل الورد لأنه أعجبنا وكانت لنا رغبة به. قلتِ أنك عشقت الورد، ولكن من يعشق الورد يسقيه ولا يقطفه ليرميه على رصيف الطريق فيخرّ ميتاً، وهو ملطخٌ بالدماء ، ثم نقول ما أجمل الورد الاحمر.
الطالبة نيرة اشرف قتلت على يد المدعو محمد عادل. الطالبة ايمان ارشيد قتلت على يد عدي خالد عبد الله حسان. المهندسة لبنى منصور قتلت على يد زوجها، كما قتلت الإعلامية شيماء عادل على يد زوجها أيمن حجاج. اربع ورود قتلت، لنشهد بذلك على عزاء الطبيعة وعلى عزاء النساء. أصابتنا الحيرة، فبتنا نتساءل :أيكره مجتمعنا العربي الورد؟ أم أنه متيمٌ فقط بالورد الاحمر؟ فراح يلطخ كل الورود بالدماء. أربع جرائم قتل بحق الجمال وبحق الرقة وبحق الحنان والنساء، نفذت في مختلف الدول العربية، لتهز الرأي العام ،السبب خلف ذلك ليس قتل النساء فحسب، فهذا المسلسل ليس بجديد، سبق وأن رأينا مشاهد منه من قبل في مجتمعنا العربي، الا أن كل هذه الجرائم تمت بسابق الإصرار والترصد ونفذت في العلن وارتُكبت بدعوى “الحب”، كما أن جميع منفذي عمليات القتل هذه رجال لم يتقبلوا من الضحايا كلمة “لا”، هل خدشت الـ “لام” كبرياءهم؟ وداست “الألف” على رجولتهم؟أم أنهم لم يقبلوا أن ترفض تلك الشابات الارتباط بهم أو الاستمرار في العلاقة معهم.
تعرضت للإهانة ، فاسكتناها، لأن عائلاتنا المحافظة لا ترضى بأن تقف إلى جانب المرأة، فصبرت ، وتعرضت للعنف بشتى أنواعه لفظياً ومادياً وجنسياً وجسدياً، وسكتت، لأن مجتمعاتنا لا تهتم بمعالجة قضايا المرأة وطرحها، وتنظر اليها باشمئزاز على أنها قضايا لا بد من أن تطمر بدعوى ” الحفاظ على الشرف” و”غسل العار” و” السترة” و”كرمال ما نخرب البيوت ونفضح أسراراً”.. وأخيراً، ولأننا لم نضع حداً لهذا التطرف ولهذه الذكورية السائدة، بات قتل النساء ظاهرة وأمراً معتاداً عليه. العقدة الكبرى والأمر الذي لا بد من الإشارة اليه هو العراقيل في تطبيق التشريعات التي أقرتها بعض الدول لمكافحة العنف ضد المرأة، وهي بهذه التشريعات تعتبر نفسها منصفة لحقوق المرأة والإنسان معاً، وإذا تعمقنا بالنظر، نجد أن هناك تعقيداً وعرقلة لتحقيق العدالة. فضلاً عن الاستهتار بالشكوى التي تقدمها النساء اعتراضاً على الابتزاز والعنف والإهانة التي يتعرضن لها. كطالبة، نيرة كانت قد تقدمت هي وأهلها بعدة بلاغات وشكاوى للشرطة ضد القاتل من دون استجابة تذكر.
لن يجف قلم حرٌّ يناقش قضايا المرأة ويسلط الضوء عليها، لأن حبر هذا القلم من دماء نيرة وإيمان ومن سبقهن من النساء. لست سعيدة بأن القلم لم يجف، فمن المحزن أننا ما زلنا وحتى اليوم نطالب بالعدالة المنصفة لحقوق المرأة وما زلنا حتى اليوم نستفيق على قصة تعنيف واغتصاب وقتل وننام ونحن نسأل: هل من مزيد؟ ومن التالي؟ ومن المؤسف أن أقلامنا الحرة تكتب عن ذكورية وعنف المرأة في مجتمعنا العربي. نعم، تحدث جرائم القتل ضد النساء في مختلف المجتمعات، إلا أن وقوعها في بيئة حاضنة للعنف يجعلها مضاعفة، إذ تصبح البيئة مُشارِكة بالجريمة عبر محاولة إخفائها
-ريمان شكر