تدور تساؤلات كثيرة عن السيناريوهات المقبلة في العراق، بعد أوامر أطلقها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الثلاثاء، بوقف الإقتتال وسحب أنصاره من المنطقة الخضراء وإنهاء الإعتصام أمام البرلمان، وذلك بعد يوم دام من الإقتتال بين الصدريين وبين من وصفهم بـ”المليشيات الوقحة”.
وسقط جراء الاقتتال الذي استمر لمدة 24 ساعة، أكثر من 30 قتيلا، وقرابة الـ400 جريح، استخدمت فيها الأطراف المتقاتلة في المنطقة الخضراء وسط بغداد مختلف الأسلحة المتوسطة والخفيفة، وحتى صواريخ الكاتيوشا وقذائف الهاون، وسط غياب واضح للأجهزة الأمنية.
من جهته، أشاد وائل الركابي عضو ائتلاف “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، خلال حديث لـ”عربي21″ بموقف الصدر، بالقول: “كل الإشادة والاحترام لهذا البيان، ونحن كنا نراهن عليه دائما بأن الصدر هو من يحقن الدماء ويتعامل مع الأزمات بشكل فيه شيء من الحكمة والمسؤولية والحرص على البلد”.
وأعرب الركابي عن اعتقاده بأن “ينعكس موقف الصدر ابتداء على انسحاب المتظاهرين المعتصمين عند الجسر المعلق (قرب المنطقة الخضراء) التابعين لقوى الإطار التنسيقي، حتى تبدأ الأمور بالعودة إلى طبيعتها”.
وتوقع عضو ائتلاف المالكي أن “تعقد جلسة للبرلمان العراقي تكون فيها مراعاة لمطالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في عملية انتخابات مبكرة وغيرها، بمعنى أنهم سيجعلون الأمور تمضي كما كانت بشكل هادئ”.
وأكد الركابي أن “قادة قوى الإطار التنسيقي سيعقدون اجتماعا، مساء الثلاثاء، بعد فتح الطرق في بغداد وداخل المنطقة الخضراء، للإشادة بموقف الصدر، وطرح رؤيته إزاء العملية السياسية المقبلة”.
وتابع: “ما يهمنا الآن أن الأمور مضت إلى التهدئة، وربما يفهمها أحد أن التهدئة هي استبدال محمد شياع السوداني، لكن أتصور أن الأوضاع تسير نحو التهدئة على ألا تكون على حساب الدستور والقانون، وهذه النقطة مهمة جدا ولا بد أن يحترم الجميع ذلك”.
واستبعد الركابي وجود وساطات داخلية أو خارجية وراء قرار الصدر بالتهدئة، “لأنه لا يحتاج إلى ذلك، وسابقا كان في مواقف أخرى ولم يستجب إلى تلك الوساطات، لكن أزعجه التصعيد الذي حصل يوم أمس والدماء التي أريقت، لذلك فهو رفض هذا السلوك من أنصاره”.
وفي المقابل، استبعد المحلل السياسي العراقي، رعد هاشم، في حديث لـ”عربي21″ أن “يقدم الإطار التنسيقي تنازلات.. حتى الآن كل ردود الفعل والتصريحات تشيد بموقف الصدر وحقن الدماء، لكن لم يصدر أي موقف بخصوص نية الإطار التنازل”.
وتوقع هاشم أن “يُصر الإطار التنسيقي على موقفه وعناده بإبقاء الأزمة على ما هي عليه، وربما تحصل مرونة هنا أو أهناك، بتغيير مرشحهم لرئاسة الحكومة محمد شياع السوداني، وقد تحصل بعض المرونة في حل البرلمان، لكن بشروط الإطاريين”.
وأوضح أن “انسحاب الصدر خطوطه العريضة هي حقن للدماء، لكن لا أستبعد الضغط الإيراني القسري على خلفية عزل المرجع (الشيعي) كاظم الحائري، وتوصيته قبل أن يعزل بأن يكون مرجع التيار الصدري، هو علي خامنئي، وأن هذه الاشتراطات العقائدية دائما ما يلتزمون بها”.
وأكد هاشم أنه “متوقع في أي وقت أن يعود المحتجون إلى ممارسة الضغط، لأن التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر عودونا على روح المناورة بالانسحاب ثم العودة، ويعمل الأخير على توظيف هذه المناورة لخداع منافسيه، ولكن ربما ليس الآن”.
وأشار إلى أن “العزلة السياسية التي اتخذها الصدر ستبقى مثار جدل وشك لا يُعرف فحواها ونتائجها وإلى أين ستفضي”، متسائلا: “من سيدير هذا التيار المليوني إذا كان بهذه العزلة؟ هل سيفكك أم يدار من خلف الكواليس؟”.
ونوّه هاشم إلى أن “المعادلة السياسية إذا خلت من وجود الصدريين، وأن الساحة إذا فقدت التنافس بين الأجنحة الشيعية، فسيحدث اختلال في العملية السياسية بالبلد يتسبب في توسع النفوذ الإيراني بشكل مطلق عبر الأطراف الولائية، وهذا سيجر الويلات على العراق إذا اتخذ هذا المنحى الخطير”.
على ضوء قرار الصدر سحب أنصاره وإنهاء الصدام المسلح، فقد ثمّن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، دعوة زعيم التيار الصدري، وقال في تغريدة عبر “تويتر” إن “دعوة مقتدى الصدر إلى وقف العنف تمثل أعلى مستويات الوطنية والحرص على حفظ الدم العراقي”.
وأشار إلى أن “كلمة الصدر تحمّل الجميع مسؤولية أخلاقية ووطنية بحماية مقدرات العراق والتوقف عن لغة التصعيد السياسي والأمني والشروع في الحوار السريع المثمر لحل الأزمات”.
وفي السياق ذاته، رحب رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، بخطاب زعيم التيار الصدري، وقال في منشور على “تويتر”: “شكرا لكم سماحة السيد مقتدى الصدر، فموقفكم بحجم العراق الذي يستحق منا الكثير”.
من جانبه، دعا رئيس الوزراء العراقي السابق، القيادي في الإطار التنسيقي، حيدر العبادي، على وجوب “انسحاب كل المسلحين فورا، ولا مبرر للدولة في أن تقف عاجزة ومتفرجة خصوصا بعد خطاب السيد مقتدى الصدر بسحب من يدعي الانتماء للتيار وهذه تحسب لسماحته”.
وطالب العبادي في تغريدة على “تويتر” من أسماهم “العقلاء” بوضع الحلول لمنع العودة إلى الاحتراب العبثي وتعريض أرواح المواطنين للخطر وتقويض الدولة ومصالح أبنائها.
بدورها، رحبت بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي”، بإعلان الصدر، وقالت عبر حسابها على “تويتر” إن “يونامي ترحب بالإعلان المعتدل الأخير للسيد مقتدى الصدر. وكما قلنا بالأمس: ضبط النفس والتهدئة ضروريان لكي يسود صوت العقل”.
وكان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، قد أمهل أنصار التيار 60 دقيقة للانسحاب من الشوارع وساحات الاعتصام قرب البرلمان العراقي وسط المنطقة الخضراء.
وقال الصدر في مؤتمر صحفي من النجف، الثلاثاء: “أحزنني وأتعبني كثيرا ما يحدث في العراق، وبغض النظر عمن بدأ الفتنة أمس (…) فأنا أعتذر للشعب العراقي المتضرر ما يحصل، والقاتل والمقتول في النار بغض النظر عن البادئ”.
وتابع: “كنت آمل أن تكون هناك احتجاجات سلمية دون استخدام أسلحة (…) وهذه الثورة التي شابها العنف والقتل فهي ليست بثورة أصلا”.
وخاطب الصدر أنصاره بالقول: “أمامكم ستون دقيقة للانسحاب من الشوارع وإلا فأنا أبرأ منكم”، داعيا أنصاره إلى الانسحاب فورا، وقال إنه في حال لم يستجيبوا فسيكون هناك موقف آخر