كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
لم يكن ينقص أغنية الثمانينيات المشهورة لزياد الرحباني التي تصف انقطاع المواد الحيوية، إلا عبارة «رح ينقطع الانترنيت بهاليومين»، لتصبح نبؤة تصح في كل زمان ومكان على مساحة هذا الوطن الكئيب. بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه، هو إن كانت هذه الترنيمة السياسية الساخرة، التي أوجدت حلول مؤقتة لانقطاع البنزين، المياه، الخبز، الحليب، والكهرباء… ستجد حلاً للاتصالات «من الموجود»، وبأي كلفة؟!
أسبوع بالتمام والكمال مضى على بدء تنفيذ نقابة موظفي «هيئة أوجيرو» الاضراب المفتوح، ولا حلول. «السنترالات» تتهاوى الواحد تلو الآخر، مقطّعةً أوصال المناطق، وتاركة الشركات وقطاعات الأعمال في عزلة شبه تامة. «سنترال بيت الدين» خرج من الخدمة منذ يوم الجمعة الفائت عازلاً قضاء الشوف طيلة عطلة نهاية الاسبوع الماضي. سنترالا خلدة وصيدا اللذان يغذيان الجنوب توقفا صباح البارحة، وفي القبيات شمال لبنان توقفت الخدمة أيضا… و»حبل» عزل المناطق سلكياً ولاسلكياً، ما زال «مرخياً على جرار» إطفاء السنترالات عن قصد حيناً وعدم تزويد المولدات بالمازوت، والتوقف عن الصيانة وإصلاح الاعطال حيناً آخر. وباستثناء بعض الاعمال التي ينفذها بعض المدراء والموظفين المحسوبين سياسياً ومناطقياً، فان الاضراب شل البلد، وأنزل خسائر فادحة بالقطاعين العام والخاص، وأفقد الأفراد والشركات بعض المتبقي من أمل في نفوسهم.
الخسائر بملايين الدولارات
مع فقدان «الحرارة» من الهواتف الثابتة تتوقف الاتصالات وينقطع الانترنت «DSL» وتخسر خزينة الدولة مورداً مالياً مهماً يقدر بمليارات الليرات شهرياً. الكلفة المباشرة على الاقتصاد لن تقل عن 4 ملايين دولار يومياً في حال توقف الانترنت، إذا افترضنا أن عدد سكان لبنان 6 ملايين نسمة. ذلك أن «البلدان متوسطة التقدم في مجال الانترنت تخسر يومياً ما يقارب 6.8 ملايين دولار لكل 10 ملايين نسمة، في حال تعطل الخدمة»، بحسب دراسة لشركة Deloitte. أما الأكلاف غير المباشرة الناجمة عن فقدان الثقة، والعجز عن جذب الاستثمارات، وهجرة الشركات، فلا يمكن قياسها أو حتى تقديرها بثمن.
مزودو الخدمات واستنسابية «الإتصالات»من الخسائر المباشرة والفادحة أيضاً، «ما تتحمله «شركات مزودي الانترنت». فهذه الشركات الخاصة المستثمرة بملايين الدولارات، والتي يقدر عددها بحوالى 90 شركة منتشرة على كل الاراضي اللبنانية تخسر مرتين؛ مرة بتوقف السنترالات التي تأخذ الخدمة منها وتوزعها، ومرة بسياسة وزارة الاتصالات التي تكيل بمكيالين»، على حد وصف عضو تجمع الشركات أحمد حصني. فـ»وزير الاتصالات جوني القرم فرض بالمرسوم الذي صدر في حزيران الفائت تسعيرتين مختلفتين، واحدة منخفضة جداً لمشتركي أوجيرو، وأخرى مرتفعة للمشتركين من الشركات الخاصة.
مع العلم، أن التسعيرة المعتمدة من أوجيرو لا تتيح لها «الوقوف على قدميها»، وتلبية متطلباتها، سواء كان لجهة المحروقات والصيانة أو تأمين أجور العمال والموظفين. لان مبلغ الـ 60 الف ليرة الذي تتقاضاه الهيئة من حزمة الانترنت الصغيرة للافراد لا يشكل أكثر من 1.5 دولار، فقط وهو مبلغ أقل من زهيد بالمقارنة مع التكاليف الباهظة». وبحسب حصني فان «الغاية من هذه التسعيرة المتهاوية لمشتركي DSL والتي لا تأخذ في الحسبان أكلاف المحروقات والصيانة وقطع الغيار، هي لضرب الانترنت غير الشرعي، من وجهة نظر الوزير، وبايحاء أن من يقوم بهذه العملية هو شركات مزودي الخدمات. مع العلم أن شركاتنا تشتري من أوجيرو، وتوصل الخطوط إلى حيث تعجز الاخيرة عن إيصالها، ونأخذ عمولتنا وبدل النفقات التي نتكبدها من أجل المحافظة على جودة الخدمة».
لب المشكلة
بالاضافة إلى الاضراب وتعطيل مصالح المؤسسات، والمنافسة غير العادلة في التعرفة بين القطاعين العام والخاص، تتعامل وزارة الاتصالات بكيدية مع شركات مزودي الخدمات. وهذا ما يبرز بشكل واضح في عرقلة طلبات المشتركين للانضمام إلى أحد المزودين، وعدم السماح لهم بتغيير اشتراكاتهم في حال كانت مع أوجيرو. «في حين أن أصول العمل تقتضي تأمين منافسة عادلة بين القطاعين العام والخاص»، برأي حصني. «فلا القطاع الخاص يسيطر على كامل السوق من دون ضوابط أو مراقبة، ولا القطاع العام ممثلاً بهيئة أوجيرو يحتكر الخدمة»، برأي حصنى. «الهيئة» أساساً، هي مشغلة للقطاع، وعلى القيمين عليها إدارة الاتصالات بين القطاعين العام والخاص بشكل شفاف وبما يؤمن التنافس على جودة الخدمات والعروض، ولما فيه مصلحة المشتركين. وهذا ما لا يمكن توفره بسبب احتكار الهيئة للقطاع بشكل غير مباشر. وعليه من المفروض فتح هذا القطاع أمام المنافسة الحقيقية وفك احتكار الدولة للقطاع، والتعاطي مع القطاع الخاص من الند إلى الند.
البديل
مع تقهقر شركات القطاع الخاص وتراجع خدمات الدولة في مجال الانترنت والاتصالات تتعاظم الخشية من توسع ظاهرة الانترنت غير الشرعي. فهذا الانترنت الذي يخرج بعض منه من السنترالات، ويأتي البعض الآخر من دول الجوار كفلسطين وتركيا عبر سوريا، أرخص على المشتركين من الانترنت الشرعي ولا ينقطع. إلا أن سلبياته على الاقتصاد لا تعد ولا تحصى: فهو يؤدي إلى تراجع إيرادات الدولة، وبالتالي عجزها عن تلبية متطلبات موظفيها، يعزز الاقتصاد النقدي، ويساهم بتعميق الاقتصاد الأسود المتفلت من أي ضوابط.
إن كان لا بد من إكمال الشطر الاول «رح ينقطع الانترنت بهاليومين»، لأتى على شكل: «منوصّي على حمامتين». فمع صعوبة الاستمرار بالخدمة في ظل احتكار الدولة، وأخذ الشركات والافراد رهينة التعطيل والاضراب عند كل انهيار بالقدرة الشرائية للرواتب والاجور، وما أكثرها، فان التواصل قد يصبح عما قريب بواسطة الحمام الزاجل.
لم يؤدِ توقيع وزير الاتصالات لمراسيم المساعدة الاجتماعية الشهرية، وإعطاء بدل نقل بقيمة 95 الف ليرة، وبدل حضور عن شهرين إلى تعليق موظفي أوجيرو اضرابهم. فالمطلب الاهم بالنسبة لهم والمتعلق بتصحيح الاجور بسبب غلاء المعيشة لم يقر بعد. وقد جرى تأجيل البحث فيه إلى يوم الخميس المقبل بانتظار استشارة الوزير هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل للنظر في قانونيته. وعليه يستمر موظفو الهيئة بالاضراب، لكن في بادرة حسن نية جرى توسيع مروحة السنترالات الاساسية التقنية لتزويدها بمادة المازوت من 13 الى 21 سنترالاً، حرصاً على عدم توقف الشبكة بشكل كامل مع توقف اعمال الصيانة.