خاص الهديل:
لا يمكن تصور المشهد الروسي الراهن في أوكرانيا لولا انه لم يسبقه مشهد هزيمة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، ومن قبله، مشهد هزيمة الولايات المتحدة الأميركية في فيتنام..
.. ولو ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تمتع بذاكرة الفيل، وتذكر ما حصل مع الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، ومع الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في فيتنام ، وذلك حينما كان يأخذ قرار دخوله العسكري إلى أوكرانيا ؛ لكان خطر لباله أن الدول الأقل قوة غالبا ما تكون مرشحة لتكون أكثر قدرة على أستنزاف الدول الأكثر قوة .
كل ما فعله الرئيس بايدن هوأانه راهن على تسرع بوتين الإستراتيجي، وعلى فقدان الصبر الاستراتيجي الذي يجعله يستسهل حسم التباينات، معتمدا على وضع المدفع أمام الدبلوماسية، بدل ان يضع الدبلوماسية أمام المدفع ..
لم يكن بوتين بحاجة لأن يسهل عملية اختبار أميركا لقدرتها على الحاق هزيمة بروسيا – التي نجحت في سورية – في أوكرانيا؛ ولكن بايدن كان بأمس الحاجة لدفع بوتين، ومعه ربما كل أوروبا، إلى داخل الإختبار الاوكراني، كي يحري تحديثا او نوعا من إعادة تحديد لإحجام القوى في العالم ، خاصة وانه في طريقه – اي بايدن- لإجراء إختبار القوة الأهم مع الصين .
ان اكبر اخطاء بوتين التي تسببت له ولبلده بالآلام الحالية ، هو أنه أراد ان يقود روسيا على أساس انها اتحاد سوفياتي صغير .. وبنهجه هذا يكون بوتين قد وضع العربة الروسية أمام حصان التاريخ؛ وسار إلى الخلف، وهو يظن انه يتقدم إلى الأمام.
ولم يخطر لبوتين محاولة اكتشاف قوة روسيا الجديدة الكبيرة والاوروبية والمتوسطية والقوقازية، بدل الغرق في أحلام السوفياتية والقيصرية وأحيانا الستالينية. قد تكون واشنطن اكتشفت نقاط ضعف بوتين التاريخية ؛ فعمدت إلى جره لخدعة أوكرانيا حتى يتسنى لها اسقاطه داخل الكرملين، وإنتاج غورباتشوف روسي جديد وبورستريكا روسية جديدة ..
واذا كان من الممكن في هذه اللحظة ، الحديث عن حدوث هزيمة روسية في أوكرانيا، أو عن حصول نكسة روسية في اوكرانيا، فإن ذلك قد يحتم انتظار اي نوع من الهزائم سيختار بوتين لنفسه ولروسيا ؛ ذلك ان الدول الكبرى حينما تتعرض للهزائم نتيجة غزواتها الفاشلة، يترك لها خيار تحديد نوع الهزيمة التي تريدها ، وذلك بعكس الدول الصغيرة التي تضع لها الدول الكبرى شروط استسلامها عندما تتعرض للهزيمة ، وتضع لها مواصفات هزيمتها ووثيقة اذلالها .. وعليه، فإن بوتين سيترك سيم ترك المجال كي يحديد مواصفات هزيمته حتى لا تتحول هزيمة روسيا في أوكرانيا إلى كارثة نووية كونية..
ويبدو واضحا في هذا المجال ان بايدن يريد لبوتين هزيمة تشبه هزيمة ترامب في اميركا، اي ان يخرج من رئاسة روسية ومن الكرملين، كما خرج ترامب بعد ابداء الكثير من المكابرة ، من رئاسة اميركا ومن البيت الأبيض.
وفي حال حصل لبايدن ما يريده، تكون حرب أوكرانيا هي في بعض جوانبها؛ كانت تتمة لحرب انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة التي أخرجت ترامب صديق بوتين من البيت الأبيض؛ ليحل مكانه بايدن الديموقراطي عدو حلفاء ترامب حول العالم.
ويبدو ان حرب بايدن – ترامب لم تنته لا داخل اميركا ولا خارجها. فبعد اخراج نتنياهو من رئاسة الحكومة الإسرائيلية، يقترب بوتين من ان يصبح مشروع سقوط مدوي في روسيا، أو مشروع بقاء متعثر في السلطة التي ستنزع لتعود الى مرحلة الفوضى التي تلت مرحلة ما بعد غوراتشوف المباشرة ، حيث موسكو سيصبح لها وضع المركزية الهجينة ، بحيث لن تكون عاصمة روسيا الجديدة، ولا عاصمة الاتحاد السوفياتي القديم !!..