خاص الهديل:
في كل مرة يأتي فيها المبعوث الأميركي لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان اموس هوكشتاين في جولة توسط جديدة بين لبنان وإسرائيل، يعود سريعا الى بلاده من حيث جاء، من دون ان يعلن عن موعد عودته لإستكمال مسعاه، ولا عن اي تفصيل يوضح ما اذا كان مسعاه حقق تقدما فعليا ام انه لا يزال في مربع المحاولات …
والواقع ان اقصر طريق لمعرفة أين وصل هوكشتاين في مسعاه بين لبنان وإسرائيل، هو طريق رصد ما يجري داخل إسرائيل حول “ملف كاريش ” و ” ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان” . ويمكن القول ان هوكشتاين يوجد لمسعاه ظلا واضحا يسير معه خطوة إثر خطوة، داخل اسرائيل.
ويلاحظ في هذا المجال أمرا هاما، وهو ان ” ظل هوكشتاين الصامت” في مسعاه، يعبر عنه داخل إسرائيل ” حراك يائير لابيد الصامت ايضا”، والساعي بدوره، وبالتنسيق مع هوكشتاين ، لتأمين امرين اثنين:
اولا – إنتاج حل لمجمل ملف ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، وبضمنه إيجاد حل لإستخراج غاز كاريش، من دون أن يؤثر هذا الحل سلبا على حظوظ لابيد الانتخابية بمواجهة نتنياهو.
والثاني – ان لا يوفر الحال لجماعة نتنياهو في أميركا الذين هم اصدقاء ترامب، إمكانية رفع صوتهم عشية الانتخابات الأميركية النصفية، بوجه بايدن من خلال القول انه خضع لضغوط حزب الله، ودفع “لابيد الضعيف” إلى التنازل عن حقول غاز لحزب الله تقدر بمليارات الدولارات.
وخلال الساعات الماضية تم الكشف في إسرائيل عن محاولة للابيد لتمرير اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان من دون عرضه على الكنيست، ولا على الجمهور الاسرائيلي. بمعنى اخر يريد لابيد مؤيدا طبعا من بايدن، استغلال نصوص قوانين الطوارئ في اسرائيل التي تمكنه من التعامل مع اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان، بوصفه ” أمر طوارئ ” وأمرا ذا حساسية امنية عالية، تمنع عرض مضمونه بالتفاصيل على الكنيست والجمهور الاسرائيلي ، وعليه يجب اقراره على نحو طارئ وداخل اضيق مستوى حكومي ( مجلس وزاري مصغر).
وكشفت صحيفة يسرائيل هيوم تفاصيل ما يخطط له لابيد على هذا الصعيد ، حيث قالت التالي: ” معروف انه بموجب الإجراءات الحكومية الرسمية، يجب تقديم أي اتفاقية دولية مع دولة أجنبية إلى الكنيست من قبل الوزير المختص في الحكومة، وذلك من أجل إجراء عملية مراجعة تستغرق أسبوعين، وبعد ذلك تجري الحكومة تصويتًا عليها. ومع ذلك، وفي حالات نادرة، تنص القواعد على آلية تسمح للوزير بحجب هذه المعلومات عن عامة الناس، وتقديمها بدلا من ذلك إلى مجلس الوزراء الدبلوماسي الأمني المصغر ، دون أن يراجعها الكنيست أو تصوت عليها اللجنة الوزارية الحكومية الكاملة”.
.. وتنص هذه القواعد الإستثنائية ايضا – بحسب ما أضافت الصحيفة – على أنه يجوز لرئيس الوزراء أن يقرر أن هناك ظروفا خاصة تتعلق بالأمن القومي للعلاقات الخارجية، تتطلب إتفاقية دولية لعرضها على اللجنة الوزارية للأمن القومي، أي مجلس الوزراء الدبلوماسي الأمني المصغر، بدلاً من الحكومة”.
ما تقدم يعني بوضوح ان لابيد يريد استغلال قوانين طوارئ من أجل أن يمرر الاتفاق البحري مع لبنان من دون العودة لا إلى الكنيست لمراجعته، ولا الى مجلس الوزراء الموسع لمناقشة!!؟ .
ووفق القواعد القانونية الاستثنائية يمكن للابيد ان يفعل ذلك، خاصة فيما لو كان مدعوما في خطوته هذه من الرئيس الأميركي بايدن، وعليه كشفت ‘ يسرائيل هيوم” نقلا عن مصادر قريبة من لابيد ، أن الأخير يخطط فعليا لتخطي الكنيست، وأنه يعتزم اجراء تصويت سري على اتفاق الحدود مع لبنان، وذلك قبل عرضه على الجمهور الاسرائيلي.
وكشفت صحيفة “يسرائيل هيوم” الإسرائيلية تفاصيل هذه المعلومة، حيث نقلت عن مصادر مطلعة على المفاوضات الإسرائيلية عبر هوكشتاين مع لبنان ، بأن “المفاوضين الإسرائيليين المكلفين بحل النزاع الدائر مع لبنان على الحدود البحرية بالقرب من حقل غاز كاريش، كانوا يستكشفون إمكانية قيام مجلس الوزراء الأمني بإجراء تصويت سري على أي صفقة نهائية مع لبنان، قبل عرضها على الجمهور الاسرائيلي؛ ويستند لابيد في اتباع هذا الخيار على ما يسمى بالقواعد الاستثنائية التي تتبع في حالات الطوارئ”.
والواقع ان هذا التفكير القائم عند لابيد والمدعوم بلا شك من هوكشتاين، والساعي لابرام تسوية او “صفقة صامتة ” مع لبنان حول أزمة استخراج غاز كاريش، وحول مجمل ملف ترسيم الحدود البحرية، هو الذي يفسر جانبا من الأمر المحير الذي يسود في كل مرة زيارات هوكشتاين للمنطقة، والتي تنتهي” بصمت مريب” و ” بكلام عام عن حدوث تقدم ” ، يليه “إختفاء مقصود ” لهوكشتاين و لكل الشخصوص الأساسية اللاعبة في هذا الملف سواء في إسرائيل او في لبنان .
ويتبين الآن ان جانبا من صمت هوكشتاين، ومن صمت “جماعة هوكشتاين” في لبنان واسرائيل، له علاقة بتنفيذ ” خطة تمرير الصفقة بشكل صامت في إسرائيل”؛ وذلك بموجب انها صفقة تخضع لقواعد الطوارئ والأمن القومي ، وعليه فإن المستوى الإسرائيلي المولج بالبت بها ، هو المجلس الوزاري الأمني والدبلوماسي المصغر.
وما يسترعي الاهتمام هنا هو انه لا يوجد سبب يجعل لابيد يتعامل مع هذا الملف ( كاريش وترسيم الحدود البحرية مع لبنان) ، على انه ملف طوارئ وأمن قومي ، الا سببا واحدا، وهو ان ملف الغاز أينما كان في العالم، أصبح بالنسبة لبايدن، في ظل ظروف الحرب الأوكرانية، هو ملف طوارئ وأمن قومي اميركي؛ ويجب أن يلتزم كل حلفاء وشركاء أميركا فب العالم بموجبات هذا التوصيف .
وضمن هذا التوجه الاميركي الذي يلتزم به لابيد -،حليف بايدن ضد نتنياهو صديق ترامب- ، يلاحظ ايضا ان هناك سعيا في حكومة لابيد لتغيير مفهوم التفاوض على الحدود البحرية مع لبنان ، بحيث لا يتم ادراج هذا الملف بوصفه ” اتفاق تحديد للحدود “، اي انه يراد هنا، نزع المعنى القانوني لهذا الملف ، او بكلام أدق، تخفيف المعنى القانوني لملف الاتفاق المتوقع، وبظل ذلك ابراز المعنى الامني والعسكري. وكل الفكرة هنا تكمن في ان بايدن يقول للاسرائيليين أن اتفاق الغاز مع لبنان هو جزء من الجهد العسكري الاميركي والغربي لكسب كل حرب الغاز في اوروبا. بمعنى اخر ان اتفاق الغاز مع لبنان هو جزء ” من اجل كسب حرب كل الغاز في العالم”، وليس من” اجل تحديد حدود الغاز بين دول العالم” !!. والواقع ان هذا المعنى لن تظهر نتائجه السلبية على لبنان ، في المدى القصير، بل في المديين المتوسط والبعيد.
ويمكن توضيح هذه الفكرة الأنفة التي تحرك حاليا إستراتيجية بايدن بخصوص ليس فقط غاز لبنان، بل ايضا غاز ليبيا وحتى غاز اليمن ( حقل بلحاح)، من خلال الإشارة إلى أمرين هامين :
الأول يتمثل بما تقوم به أميركا في هذه المرحلة من فرض نوع من الهدنة الهشة في ليبيا وفي اليمن وحتى في لبنان، قوامها ابقاء الوضع السياسي متفجرا، مع الحرص على تجميد التوتر العسكري، وايضا مع الحرص على الاتجاه لضبط حركة وجود الغاز في هذه الدول الساخنة ، بغض النظر عن حجمه، ضمن بقاء قنواته تصب في خدمة الهدف الاميركي الراهن ( حرب الغاز) .
الأمر الثاني يتبين معناه من الخلفيات الواضحة لخبر ورد مؤخرا من إسرائيل وهو يقول التالي : أن “المسؤولين الحكوميين يدرسون إعادة تعريف المفاوضات على الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، بحيث يتم تحديد تعليم الحدود بدلا من تعيين الحدود لتجنب تفعيل القانون ذي الصلة”،
واضح ان هناك “حفلة لعب” بالمصطلحات القانونية، وكل الهدف من ذلك هو جعل اتفاق الترسيم البحري الاسرائيلي مع لبنان، له بالاساس هدف عسكري اميركي متصل بالحرب العالمية لكسب لعبة الغاز الأممية.
والواقع انه ليس معروفا جتى الأن، ما إذا كان تغيير معنى التفاوص البحري الاسرائيلي مع لبنان ، هو أمر لصالح لبنان، و قد يكسبه حصة أكبر من الغاز، أم ان التعامل مع هذا الترسيم البحري على انه خطة طوارئ تمليها ظروف حرب بايدن الكونية على الغاز، سيكون له استتباعات خطرة على لبنان، وذلك ضمن معادلة تبادل أثمان” منطق صفقات الطوارى” بين تل ابيب وواسنطن. .