كما كان متوقعا جرت رياح الانتخابات الإيطالية بما تشتهي سفن قوى “اليمين المتطرف”، مع نجاح حزب “إخوة إيطاليا” (فراتيلي ديتاليا) في انتخابات الأحد، وستتولى بذلك وللمرة الأولى في تاريخ البلاد امرأة هي جيورجيا ميلوني زعيمة الحزب رئاسة الحكومة الإيطالية.
وبعد أن بقي في صفوف المعارضة في كل الحكومات المتعاقبة منذ الانتخابات التشريعية في 2018، فرض حزب إخوة إيطاليا “فراتيلي ديتاليا” نفسه لاعبا أولا، وانتقلت حصته من الأصوات من 4,3 في المئة قبل 4 سنوات إلى نحو ربع الأصوات، وفق استطلاعات الخروج من مكاتب الاقتراع الأحد، ليصبح بذلك الحزب الأول بإيطاليا.
ماذا تقول الأرقام؟
. حسب النتائج الأولية التي باتت شبه نهائية فقد فاز التحالف اليميني بزعامة حزب إخوة إيطاليا الذي تقوده جيورجيا ميلوني وتعود جذوره إلى “الفاشية الجديدة” بغالبية الأصوات.
وفق النتائج الأولية لأحزاب التحالف اليميني الثلاثة، فقد حصد إخوة إيطاليا أعلى نسبة أصوات بالانتخابات التشريعية بنحو 24.6%، حل بعده حزب الرابطة بنسبة 8.5% بقيادة ماتيو سالفيني، وحزب فورزا إيطاليا بزعامة سيلفيو برلسكوني حصد 8%، وبذلك يكون التحالف قد حصد أغلبية الأصوات بنسبة تقارب 43 بالمئة وهو ما يكفي لضمان السيطرة على مجلسي البرلمان.
. وفق المركز الإيطالي للدراسات الانتخابية، فإن حزب إخوان إيطاليا والرابطة الشمالية سيكونان قد حصدا معا، أعلى نسبة من الأصوات التي سجلتها أحزاب اليمين المتطرف على الإطلاق في تاريخ أوربا الغربية منذ عام 1945 ولغاية اللحظة.
ماذا يقول المراقبون؟
. مراقبون وخبراء يحذرون من الوقوع في فخ التصنيفات النمطية لليمين الإيطالي والأوروبي عامة، مستبعدين اعتبار النتائج بمثابة بداية عودة للنزعة الفاشية لإيطاليا.
. محللون يرون في هذا النصر التاريخي لليمين الإيطالي الجديد عقابا للأحزاب الكلاسيكية، أكثر منه اقتناعا بتوجهات وأفكار اليمين المتشدد، فيما يرى آخرون أنه لا ينبغي الاستهانة بالخلفيات الفاشية للحزب الفائز، وأنه مؤشر واقعي على أن قاعدة قوى اليمين المتشدد عريضة في الشارع الإيطالي.
انتصار متوقع
. يقول رئيس قسم السياسات الخارجية وشؤون الشرق الأوسط بالمنظمة الأوروبية للسياسات الاقتصادية والدبلوماسية ناصر زهير، في حديث لسكاي نيوز عربية:”انتصار اليمين المتطرف بإيطاليا كان متوقعا تماما في ظل الأزمات والسياسات الاقتصادية وحالة الغضب الشعبي في البلاد وعموم أوروبا، لكن المهم هنا ملاحظة أن هذه النتائج لا تعني توجها نحو عودة الفاشية، بل هي تعبير عن تصويت عقابي من الإيطاليين للأحزاب التقليدية التي حكمت إيطاليا خلال السنوات الأخيرة ولم تتمكن خلالها من إنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية الخانقة”.
دور بيرلسكوني
. وأضاف زهير قائلا :”من العوامل المهمة أيضا لانتصار ميلوني هو تحالفها مع كل من بيرلسكوني وسيلفيني، حيث يتمتع بيرلسكوني برمزية معينة في إيطاليا، وهو ما ساهم في دفع عجلة التصويت أكثر باتجاه ميلوني”.
“ثمة طبعا خطر باتجاه صعود اليمين المتطرف في عموم أوروبا جراء ما حدث بإيطاليا، لكنه ليس خطرا كبيرا وداهما، حيث أن الحركات اليمينية المتطرفة تصاعدت بأوروبا في عام 2016 جراء موجات الهجرة الكبيرة في عام 2015، لكنها سرعان ما تراجعت بعد ذلك، فمثلا حزب البديل صعد حينها في ألمانيا بل ووصل اليمين المتطرف للسلطة في النمسا حينها وخرج منها بفضيحة، ولهذا فلا يمكن اعتبار نتائج انتخابات إيطاليا هذه نقطة فارقة في أوروبا”، وفق زهير وهو أيضا مسؤول وحدة الأزمات في مركز جنيف للسياسات.
صعود اليمين
. بالمقابل يقول الخبير الاستراتيجي والباحث بمركز ستيمسون للأبحاث عامر السبايلة، في لقاء مع سكاي نيوز عربية: “لا شك أن هذا الفوز حدث لافت، لكن يجب ألا ننسى حقيقة أن اليمين ولا سيما الوسط منه متواجد بقوة بإيطاليا، وهو كان حاضرا دوما وبشكل وازن في الساحة السياسية وحكم البلاد لفترات طويلة”.
– وأوضح أن: “الفرق اليوم هو أن مركزية اليمين الإيطالي انتقلت الآن إلى حزب إخوة إيطاليا وهو حزب كان يعتبر ناشئا قبل هذا النصر الكبير، لكن اليمين لطالما كان يحقق النصر في مختلف الانتخابات الإيطالية، فيما اليسار كان يحكم غالبا عبر التكنوقراط خلال السنوات الأخيرة وليس عبر الانتخاب”.
. “رئيسة الحزب هي طبعا يمينية لكن لا يمكن وصفها باليمينية المتطرفة وهي بادرت قبل الانتخابات بتوضيح مواقفها وسياساتها من مختلف الملفات الخارجية الداعمة لسياسات الاتحاد الأوروبي ووحدته، ودعم حلف الناتو وعضوية بلادها فيه، ودعم الموقف الغربي العام من روسيا والأزمة الأوكرانية”، كما يوضح السبيلة.
الداخل الإيطالي أولا
واستدرك: “لكن فداحة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية العالمية العاصفة، تجعل الأولوية هي للمشاكل والقضايا الداخلية بالدرجة الأولى ولا سيما خلال السباقات الانتخابية، وهذا ما يفسر تركيز ميلوني في خطابها على قضايا الداخل الإيطالي، فمختلف حكومات العالم تسعى جاهدة الآن للبحث عن حلول لأزماتها الداخلية المتفاقمة على وقع التوترات والتحولات العالمية الراهنة”.
غالبا ستكون سياساتها الخارجية والدولية غير متطرفة وهي ستتناغم مع عموم التوجهات الأوروبية والأطلسية، كما وأن ما يعزز من قوتها وعدم رضوخها للتوجهات المتطرفة لأقصى اليمين المتطرف، هو أن حزب رابطة الشمال لم يتمكن من حصد أصوات كبيرة، وبالتالي فرئيسة الوزراء الإيطالية القادمة غير ملزمة بإعطائه وزارات سيادية يمكن أن تؤثر على السياسات الاستراتيجية لحكومتها”، وفق الباحث في معهد ستيمسون .
من هي جورجيا ميلوني؟
. عند حداثة سنها كانت ميلوني تتمسك بأفكار موسوليني، ففي سن 15 عاما انضمت لـ”الحركة الاجتماعية الإيطالية” التي تضم سياسيا ورثة حزب موسوليني، لكنها غيرت موقفها لاحقا.
. في عام 2006، أصبحت ميلوني عضوة برلمانية بعمر 29 عاما، قبل أن تصبح أصغر وزيرة في تاريخ البلاد، بعمر 31، عندما أمسكت حقيبة وزارة الشباب عام 2008.
. تتشبث ميلوني بأفكار معادية لدخول المهاجرين للبلاد، ودعت لفرض حصار من القوات البحرية على ساحل البحر المتوسط في إفريقيا لمنع المهاجرين من الوصول إلى إيطاليا.
. ترفض ميلوني نظام الكوتا لتعزيز وجود المرأة في السياسة والأعمال، بحجة أنه يجب على النساء الارتقاء إلى القمة بناءً على مهارتهن ومزاياهن الخاصة، مثلها.
. لا تملك ميلوني شهادة جامعية لكنها تزعم حصولها على إجازة جامعية في اللغات، وهذا ليس حكرا عليها فهناك ساسة إيطاليون لا يحملون الشهادة الجامعية.
. عملت في وظائف مختلفة بعد التخرج من المدرسة، مثل العمل في سوق شعبي، ومربية للأطفال، وساقية في حانة، بينما استمرت بالخوض في النشاط السياسي اليميني في البلاد.
. تتزعم ميلوني حزب “إخوة إيطاليا” الذي ظهر على الساحة السياسية قبل نحو عقد فقط، إثر الانقسام الذي حل في حزب “شعب الحرية” الذي تزعمه فيما مضى رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو بيرلسكوني .
حكومات قصيرة العمر
. لإيطاليا تاريخ حافل مع الاضطرابات السياسية والحكومات القصيرة، ومن سيشغل منصب رئيس الوزراء المقبل سيرأس الحكومة رقم 68 منذ عام 1946 وسيواجه العديد من التحديات خاصة ارتفاع تكلفة الطاقة على وقع الأزمة الأوكرانية.
قلق وترقب
. تترقب العواصم الأوروبية وأسواق المال بقلق ما يحدث بإيطاليا في ظل الرغبة في الحفاظ على الوحدة في مواجهة روسيا، والمخاوف من الديون الإيطالية الهائلة.