كتب ساطع نور الدين في المدن:
يقول علماء المناخ والرصد الجوي، أن فصلي الخريف والشتاء هما موسم الرياح الشمالية التي تهب على سكان النصف الشمالي للكرة الارضية، محملة بالأمطار والثلوج ..وربما هذه السنة بالاشعاعات الذرية.
في ربيع العام 1986، وتحديداً في السادس والعشرين من شهر نيسان/ابريل، حصلت أكبر كارثة نووية عرفها البشر، بعد القنبليتن الاميركيتين اللتين أحرقتا مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في العام 1945، عندما إنفجر مفاعل تشيرنوبيل النووي، وارتفع عدد ضحايا الانفجار تدريجياً من 30 عاملاً أوكرانياً، سقطوا على الفور، الى ما يصل الى ثلاثين ألفاً من الاوكران، ومعهم الروس، والبيلوروس، ماتوا تباعاً، لا سيما بسرطان الغدة الدرقية الفتاك، بعدما بلغت الاشعاعات الذرية التي حملتها الرياح الجنوبية، المتجهة شمالاً، في ذلك الموسم، أطراف روسيا وبيلوروسيا.
الآن، هو فصل الخريف، والارجح أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ينام وفي حضنه الحقيبة النووية، يدرس أحوال المناخ ومسار الرياح، ويستنتج أن طقس هذه الايام عامل مساعد، بل مشجع لكي يضغط بإصبعه على زرِ الاطلاق ليحرق مئات الالاف من الاوكران، من دون أن يقلق من تسرب الاشعاع الذري مرة أخرى نحو الشمال الروسي أو البيلاروسي.. ومن دون أن يخشى على جيشه من الموت تحت ثلوج الشتاء المقبل على جبهات القتال الاوكرانية القاتلة.
الرجل الذي كان متهماً بجنون العظمة، وصار اليوم مشتبهاً بهذيان الثأر، كان ولا يزال يختزل في شخصيته المضطربة، بعضاً من روسيا،”البلد المريض” الذي ينهار تحت وطأة تاريخ عظيم، عجز عن حمله والدفاع عنه، وانفضح جيشه الجبار الذي يغير قادته الميدانيين، ويرقي القائد العسكري الشيشاني “الفذ” رمضان قاديروف الى رتبة عميد، ومرشد للقيادة وموجه للعمليات على الجبهات، حيث يقاتل الجنود الروس مثل الكشافة، بأسلحة بالية كان يعتقد أنها مرهوبة ومتفوقة، فإذا هي مدمّرة فقط للمستشفيات والمدارس والافران السورية التي سحقتها الصواريخ الروسية البالستية والمجنحة والعابرة للقارات طوال السنوات السبع الماضية.
يتباهى بوتين، ومعه معظم الروس، بالقنابل النووية التكتيكية، ذات القدرات التفجيرية المحدودة المصممة لاحراق مدينة كبرى مع ضواحيها فقط لا غير!! وتمتلك منها روسيا ضعف ما يمتلكه الاميركيون وحلف الاطلسي. أما الاشعاعات التي يمكن ان تخلفها، والمساحة الجغرافية الفعلية التي يمكن تغطيها، فهي أمور متروكة كما يبدو حتى الآن لعلماء الأحوال الجوية.. ومن يبقى حياً من الخبراء الاوكران، ومن الجنود الروس المنتشرين على الاراضي الاوكرانية.
لا، لن يفعلها بوتين. لا بد أن زعيم الكرملين ما زال يتمتع بقدر من الحس السليم، وبالحد الادنى من العقل والمنطق لكي يتجنب الكارثة الاكبر. لكن البديل الوحيد لديه، هو أن يسلم بالهزيمة، ويرفع الراية البيضاء، فيقتل على الفور من قبل أحد قادته العسكريين أو أحد مستشاريه الامنيين..على الاقل لمنع الجنرال قاديروف من تولي قيادة أركان القوات المسلحة الروسية بناء على وصية صديقه الاقرب، بوتين!
ليس في روسيا اليوم ما يحول دون هذا الخيار المدمر، المبني على مزاج شخص واحد، يهابه الجميع، لأنه يمتلك وحده قرار الحرب والسلم، مهما كبرت واتسعت طاولة الاجتماعات السياسية والعسكرية التي يجلس بوتين على رأسها، ويتوزع حولها رفاقه الاربعة الكبار من قادة جهاز الاستخبارات الموروث من العصر السوفياتي، ومعهم بعض المسؤولين الاخرين الذين لا يسمع صوتهم إلا للثناء على حكمة الرئيس وبُعدِ نظره وصلابة موقفه.
أصوات روسية خافتة حتى الآن، نادت بوقف الحرب وتجنب الانزلاق نحو الكارثة النووية، لكنها لم ولن تصبح مسموعة بوضوح. ربما لأن الروس جميعاً مطمئنون الى أن أميركا لن تلجأ الى سلاح يوم الآخرة، أو أنها لن تصيب أهدافها! فجيشها هو الأخر إكتسب خبرات ومهارات هائلة في تحييد الجيوش وقتل المدنيين، ولو بأسلحة أشد فتكاً وأكثر دقة من تلك الموجودة لدى روسيا.
بلى، سيفعلها بوتين بالتأكيد. ومن يعِش يرَ، ومن يمت لن يجادل أصلاً..وسيروح ضحية رياح الخريف الشمالية العاتية.