في الوقت الذي مات فيه آلاف الأطفال بسبب تفشي الشلل في أمريكا خمسينيات القرن العشرين، تمكن الطفل بول ألكسندر من البقاء على قيد الحياة، والعيش داخل رئة حديدية لـ7 عقود.
وبالرغم من معاناته مع المرض، الذي تسبب له بشلل كامل في الحركة، وصعوبة التنفس، تمكن بول من التعلم، والحصول على وظيفة في المحاماة.
أنبوب حديد لإنقاذ حياة بول ألكسندر
في سنة 1952، وعندما كان مرض شلل الأطفال منتشراً بشكل كبير في الولايات المتحدة الأمريكية، دخل الطفل بول ألكسندر، البالغ من العمر 6 سنوات، إلى المستشفى بعد 5 أيام من تعرضه للشلل، وذلك بسبب عدم توفر أماكن شاغرة في المستشفيات.
كانت عائلة بول قلقة على طفلها، لعدد وفيات الأطفال الكبير بسبب هذا المرض، الذي لم يجد له الأطباء علاجاً بعد، خصوصاً أنه فقد القدرة على تحريك جميع أطرافه، وأصبح يعاني مشاكل كبيرة في التنفس.
في اليوم الخامس، نُقل بول إلى المستعجلات، حيث تم تركه في الردهة، ظناً من الطبيب الذي عاينه أنه على فراش الموت، إلا أن أحد الأطباء الأخرين مر بالصدفة من مكان تواجده، إذ عاين حالته وقرر إخضاعه لعملية عاجلة على مستوى القصبة الهوائية، على أمل إنقاذ حياته.
بعد أن استيقظ الطفل بول ألكسندر من العملية التي خضع لها، وجد نفسه داخل أنبوب حديدي طويل على شكل كبسولة صفراء، تغطي جسمه، الذي فقد القدرة على تحريكه بالكامل.
عندما نظر بول حوله وجد نفسه في قاعة مليئة بالأطفال المصابين بالشلل، داخل أنابيب حديدية مثله، وهذه الأنابيب عبارة عن رئة اصطناعية، تمكنهم من التنفس بسبب مشاكل ضيق التنفس التي يعانون منها.
مات كل أصدقائه في المستشفى
خلال الأسابيع الأولى، لم يكن بول ألكسندر قادراً على التكلم بسبب الجراحة، إلا أنه شرع في التواصل بشكل تدريجي مع الأطفال المتواجدين معه في نفس القاعة، لكن كلما كوّن صداقة مع أحد هؤلاء الأطفال، كان يموت بسبب تفاقم حالته.
كما أنه، وعلى مدار سنة ونصف من تواجده في المستشفى، كان يعاني من عدة مشاكل، من بينها النظافة، إذ كان مضطراً لقطع أنفاسه لثوانٍ محدودة، من أجل تمكن الطاقم الطبي من تنظيف أطرافه بشكل سريع.
وبعد أن أتم سنة ونصف، سمح الأطباء لبول بالانتقال إلى المنزل، إذ قام والده باستئجار شاحنة كبيرة لنقله داخل الرئة الاصطناعية، التي تزن ما يقارب 300 كيلو غرام.
وفي تلك الفترة، كان والدا بول يراقبانه بشكل مستمر، وينامان معه في نفس الغرفة، تحسباً من وقوع أي طارئ، من بينها انقطاع الكهرباء.
التنفس خارج الأنبوب الحديدي لأول مرة
في سنة 1954، تلقت والدة بول اتصالاً من سيدة كانت تعمل معالجة في مؤسسة خيرية أمريكية للقضاء على شلل الأطفال، وعرضت خدماتها، من أجل مساعدة بول على التنفس خارج الرئة الحديدية.
وشرعت في المعالجة بزيارته مرتين في الأسبوع، من أجل تعليمه طريقة التنفس بشكل طبيعي، وهي طريقة تُسمى التنفس البلعومي اللساني.
ومن أجل تحفيزه على محاولة التنفس بهذه الطريقة، وعدت المعالجة أنها ستهدي بول جرواً صغيراً، في حال تمكن من التنفس بشكل طبيعي لمدة 3 دقائق متواصلة، وهذا ما حصل بالفعل بعد عدة شهور من التدريب.
وبعد ذلك أصبح بول قادراً على قضاء وقت أكبر خارج الأنبوب الحديدي، والخروج إلى الحديقة بكرسيه المتحرك من أجل اللعب مع جروه، والتعرّض لأشعة الشمس.
كما أنه تمكن من تكوين صداقات جديدة مع العديد من الأطفال، الذين كانوا يزورونه بين الحين والآخر، من أجل اللعب وقضاء وقت ممتع، بعيداً عن حالة الملل التي كان يعاني منها طوال السنوات الماضية.
تفوق دراسياً ومهنياً رغم مرضه
بالرغم من زيارات أصدقاء بول الدائمة له، فإنه كان يشعر بالرغبة في الدراسة والتعلم، من أجل ملء وقت فراغه، إلا أن الأمر لم يكن سهلاً في البداية، بسبب وضعه الصحي الصعب.
وبعد عدة محاولات من والديه، تمكن من التسجيل في نظام التعليم من المنزل، فصمم له والده قلماً خاصاً بعصا طويلة، ليتمكن من الكتابة باستعمال فمه.
وفي سنة 1967، عندما كان يبلغ من العمر 21 سنة، تخرج بول ألكسندر من الثانوية، وحصل على درجة الامتياز، بالرغم من دراسته في المنزل فقط.
وبعد ذلك تقدم للدراسة في جامعة “Southern Methodist” في دالاس، لكن تم رفضه بسبب مرضه، إلا أن بول لم يستسلم، واستمر في التقديم لسنين، إلى أن تم قبوله، شريطة حصوله على لقاح الأطفال المطور حديثاً، والحضور إلى الفصل الدراسي بمساعدة مرافق خاص.
كان بول ألكسندر في تلك الفترة قادراً على التنفس لساعات طويلة خارج الرئة الحديدية، التي أصبح يستعين بها في أوقات معينة فقط، خلال النوم على سبيل المثال.
وبعد التخرج، التحق بول بكلية الحقوق في جامعة أوستن سنة 1978، وحصل على شهادة الماجستير سنة 1984، ثم اشتغل بمجال تدريس المصطلحات القانونية في محكمة بنفس المدينة.
وفي سنة 1986، اجتاز امتحان نقابة المحامين، وتمكن من رفع إصبعه قليلاً من أجل أداء القسم، أمام رئيس قضاة المحكمة العليا في تكساس.
نشر كتاب يحكي قصته مع شلل الأطفال
تمكن بول ألكسندر من التعايش مع مرضه بالرغم من الصعوبات الكثيرة التي واجهته، إذ كان ملزماً بالعيش في الرئة الحديدية طوال حياته، والتحرر منها لفترات قصيرة.
وفي سنة 2015، تعرّضت هذه الكبسولة لعطل، ولم يتمكن بول من إيجاد قطع غيار لها، فقام بنشر فيديو على اليوتيوب من أجل التمكن من إيجاد شخص يساعده في إصلاحها من أجل إنقاذ حياته، الأمر الذي تم بالفعل.
وفي سنة 2020، نشر بول ألكسندر كتابه الخاص Three Minutes for a Dog: My Life in an Iron Lung”، الذي يحكي فيه تجربته مع شلل الأطفال، باعتباره أكثر شخص تمكن من العيش داخل رئة اصطناعية لمدة طويلة حول العالم.
وبالرغم من إصابته بكورونا، خلال فترة الجائحة، فإنه تمكن من البقاء على قيد الحياة، وعمره الحالي 75 سنة، إلا أنه عاد للعيش داخلة الرئة الحديدية بشكل مستمر من جديد، بسبب تقدمه في العمر، وعدم قدرته على التنفس بشكل طبيعي لمدة طويلة من جديد.