خاص الهديل:
لم ينجح حزب الله في اقناع الرئيس ميشال عون بالتوقيع على تعويم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، رغم أن أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله وضع ثقله الشخصي لجعل عون وباسيل يقبلان بفكرة تعديل حكومة ميقاتي، وجعلها حكومة أصيلة كي يمكنها مواجهة المرحلة المقبلة من دون خلاف دستوري بين التيار الوطني الحر وبين القائلين بضرورة أن تضطلع حكومة ميقاتي الحالية بمسؤوليتها.
وبعيداً عن الخلافات الدستورية، فإن الوقت لتشكيل الحكومة لم يبق منه الآن إلا دقائق غير كافية، كما أن حزب الله استنزف كل تدخلاته لجعل عون يوافق على ما هو معروض عليه لتعويم حكومة ميقاتي، ولجعل ميقاتي يوافق على شروط باسيل بهذا الخصوص.
.. وخلال الساعات الأخيرة قام باسيل بمناورة تزامنت مع خروج عون من قصر بعبدا؛ ومفادها إشاعة أجواء تقول بأن حزب الله أبلغ ميقاتي أنه لا يستطيع تحمل تغطية حكومته خلال المرحلة المقبلة بوضعها الحالي كحكومة تصريف أعمال، وأن على ميقاتي أن يقبل بشروط التعديلات التي وضعها عون وباسيل على التشكيلة الحكومية..
ويبدو واضحاً أن الكلام الذي سربه التيار الوطني الحر بدعوى أنه كلام من حزب الله لميقاتي، ليس صحيحاً؛ وكل هدفه هو الإيحاء بعدة أمور؛ أولاً الإيحاء بأن المشكلة بعدم تعويم الحكومة موجودة عند الرئيس ميقاتي، وليس بسبب شروط باسيل الذي يريد أربعة وزراء وبنفس الوقت لا يريد إعطاء الحكومة المعدلة الثقة؛ والإيحاء ثانياً بأن حزب الله لا يمكنه تحمل أن تقوم حكومة تصريف الأعمال بأخذ صلاحيات الرئيس المسيحي؛ وواضح هنا أن باسيل عبر هذه التسريبات يريد وضع حزب الله داخل إحراج أن المطلوب منه الدفاع عن صلاحيات الموقع الرئاسي الماروني إلى جانب الباسيليين، وذلك خلال فترة الشغور الرئاسي.
وما يدعو للقلق في مناورات باسيل الحالية هو أنه يريد أخذ البلد الى واحد من معادلتين اثنتين: إما قبول ميقاتي باستمرار الحكم العوني بعد انتهاء ولاية الرئيس عون من خلال السماح له بالسيطرة على الحكومة الميقاتية المعدلة، أو أخذ البلد الى فتنة مثلثة الاضلاع: أي فتنة طائفية (مارونية – سنية تحت عنوان أن الموقع الرئاسي الثالث السني يسرق صلاحيات الرئاسة الأولى الماروني)، وفتنة مذهبية (شيعية – سنية من خلال الادعاء بوجود موقف لحزب الله يهدد ميقاتي بأن الحزب لن يتحمل تغطية حكومته بوضعها الحالي، الخ..)، وفتنة حزبية (بين أمل والاشتراكي من جهة والتيار البرتقالي من جهة ثانية).
ولا يبدو أن مناورات باسيل ستؤدي إلى أية نتيجة يعتد بها، ذلك أن عون أصبح عملياً خارج قصر بعبدا، ونظراً لوجود قناعة بأن كل الخطوات التي تم افتعالها من قبل جماعة باسيل ومن قبل عون، يوم أمس، كان هدفها العميق هو جعل لحظة خروج عون من قصر بعبدا تتم بأقل قدر ممكن من الخسائر المعنوية لما تبقى من رمزية صورة الجنرال ميشال عون.
ويمكن القول أن الحرب الإعلامية الحامية الوطيس التي شنها باسيل أمس، كانت تدور فوق ميدان “صورة الجنرال عون”، وكانت بالأساس تدور فوق ميدان صورة “فخامة الرئيس ميشال عون”؛ ذلك أن جبران باسيل لم يعد يهتم بوراثة “صورة الجنرال عون” بسبب أنها فقدت الكثير الكثير من بريقها مسيحياً، وبسبب أنه يوجد في ذاكرتها خصومه وحروب مع محور الممانعة؛ بل يهمه وراثة صورة “فخامة الرئيس عون” التي في ذاكرتها الحية تحالف مع محور الممانعة ووعد صادق بايصاله للرئاسة. وعليه فإن باسيل بريد وراثة تحالف عون من أجل الرئاسة مع سورية ومع حزب الله وايران.. وفي حال لم يعط باسيل هذا “التحالف الرئاسي”، ولم يعترف به المحور بأنه وريث “فخامة الرئيس” وليس “الجنرال”، فإن باسيل حينها سيفكر بخيارات أخرى فيما لو وجد أمامه خيارات مفيدة.
وبالمقابل فإن الرئيس ميقاتي يحسن إدارة مواجهة مناورات باسيل عبر صياغته إستراتيجية مقاربة مسؤولة لمرحلة ما بعد ٣١ تشرين اول، تقوم على ثلاثة مبادئ:
المبدأ الأول إعلان “صفر استفزاز” مع جميع القوى السياسية، وبالأخص مع التيار الوطني الحر الذي يحاول باسيل توتيره وبث عناصر التطرف الطائفي والحزبي داخله حتى يظل قادراً على الامساك به. فميقاتي يريد ملء الشغور بالدولة حتى انتخاب رئيس؛ وليس ملء الشغور بالفوضى الدستورية والسياسية.
المبدأ الثاني العمل والدعوة والتنسيق من أجل حصول انتخابات رئاسة الجمهورية، وذلك بأسرع وقت؛ أي أن موقع الرئاسة الثالث، وحكومة ميقاتي لهما أولوية تتمثل بانتخاب فخامة الرئيس، بمثلما لهما أولوية منع الفراغ القاتل لاحتياجات البلد والدولة والمواطن خلال فترة الشغور الرئاسي.
المبدأ الثالث هو عقد جلسات مجلس الوزراء في الحالات الضرورية، أي احترام الدستور بخصوص عمل حكومة تصريف الأعمال التي من مهامها منع الفراغ القاتل للدولة والبلد والمواطن.