كتبت ندى أيوب في “الأخبار”:
تحتاج مؤسسة كهرباء لبنان إلى ما بين 6 آلاف و9 آلاف مليار ليرة، أي بين 200 و300 مليون دولار على سعر «صيرفة»، لزيادة إنتاج الطاقة ورفع التغذية إلى 10 ساعات يومياً لعدّة أشهر فقط. في الحالات الطبيعية، والتزاماً بنصوص المواد 203 و204 و205 من قانون المحاسبة العمومية، يطلب وزير الطاقة الأموال، فيقترح وزير المالية ذلك على مجلس الوزراء، وإذا ما وافق الأخير على الطلب يحيله إلى مجلس النواب عبر رئيس الجمهورية على شكل مشروع قانون لدرسه وإقراره في الهيئة العامة.
لكن، في الأحوال غير العادية، كما هي الحال اليوم، في ظل شغورٍ رئاسي وحكومة مستقيلة غير كاملة الصلاحيات وعد رئيسها بأنها لن تجتمع، تبدو الأمور أكثر تعقيداً إلى الحد الذي قد يطيّر «حلم» زيادة ساعات التغذية. فبعدما عملت أطراف سياسية عدة على عرقلة منح مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة، عندما كانت الحكومة أصيلة، وكان هناك رئيس قادر على تحويل مشاريع القوانين إلى مجلس النواب، شغّل المعنيون محرّكاتهم لتأمين غطاء سياسي للتعدي على الدستور، مهما كانت طريقة الإخراج. ويفترض أن يبدأ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مساعي على خط عين التينة لإقرار قانون سلفة خزينة لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان لشراء الفيول وزيادة ساعات كما يطمح رئيس الحكومة.
والمطروح هو إقرار قانون سلفة خزينة بأي ثمن ليقول ميقاتي إن الكهرباء توافرت 10 ساعات بعدة انتهاء عهد الرئبس ميشال عون ولتبرير زيادة التعرفة بدءاً من الشهر الجاري. لكن الاقتراح ينطوي على مخالفات عدة، يفصّلها أستاذ القانون الإداري والدستوري في الجامعة اللبنانية عصام إسماعيل. أوّلها للمادة (65) من الدستور التي جعلت القضايا المالية من صلاحية مجلس الوزراء، «وبما أن إقرار سلفة خزينة تتّصل بشأن مالي، لا يمكن أن يُطرح على الهيئة العامة كاقتراح قانون مقدّم من نائب. وفي حال تقرّر أن تُرسل حكومة تصريف الأعمال، مشروع القانون إلى مجلس النواب تكون بذلك قد تعدّت على دور رئيس الجمهورية في هذا المسار، المنوط به بموجب المادة 53 من الدستور، التي تحصر إحالة مشاريع القوانين بشخصه».
أما إذا ما استكملت القوى السياسية انتهاك الدستور، فإنها ستصطدم بعقبة ثانية تتمثل بإصدار القانون، وهي المهمة الموكلة أيضاً إلى رئيس الجمهورية. بذلك «ستحل حكومة فاقدة للشرعية مكان رئيس البلاد مرتين. مرة في الإحالة وأخرى في الإصدار». وأساساً، يوم اشتدّ السجال الدستوري بين ميقاتي من جهة وفريق الرئيس ميشال عون على الصلاحيات، وإذا ما كانت تنتقل حكماً إلى الرئاسة الثالثة بشغور سدة الرئاسة، طمأن ميقاتي أن حكومته لن تجتمع إلا في حالات الضرورة القصوى. فهل نحن أمام حالة من هذا النوع أم أن بري سيخالف المادة (65) ويسمح بتمريره كاقتراح قانون؟
التشريع عامةً، محل خلافٍ دستوري يتجدد مع كل فراغ رئاسي. وتنص المادة (75) من الدستور، على ما مفاده أن مجلس النواب الملتئم لانتخاب رئيس للجمهورية، يصبح هيئة ناخبة لا تشريعية. التفسير الحرفي للنص الذي يعتمده بري يقول إن المجلس في أوقات عدم انعقاده لانتخاب رئيس يمكنه أن يشرّع. هكذا فرض تشريع الضرورة في العام 2015 وسط معارضة بعض القوى السياسية. أما التفسير المنطلق بحسب تعبير المحامي بول مرقص من «مجمل أحكام الدستور، تفادياً للتناقض في ما بينها، فيفرض التصرّف على ضوء المواد (49/73/74) القائلة بانعقاد المجلس بصورة دائمة، ومهمته الوحيدة انتخاب رئيس للجمهورية».
كيفما أدرناها، لن تكون المخارج قانونية. ولتغطية الخطوة سيزور ميقاتي عين التينة طامعاً بقدرة بري على إقناع القوى السياسية الأساسية بسيناريو ما يشكّل تخريجة. هذه العملية من المتوقع أن تشهد معارضة بعض الكتل النيابية. لكنها الخيار الأخير أمام ميقاتي بعد أن رفض المجلس المركزي لمصرف لبنان منح تفويض للحاكم لتقديم ضمانات مالية على مسؤوليته أو على مسؤولية المجلس المركزي، طالباً تغطية مباشرة من الحكومة والمجلس النيابي.