“مظلومية أهل السنّة” في لبنان
كتب عماد الدين أديب:
يخطئ من يعتقد أنّ اللاعب المحلي، مهما كان مدنياً أو عسكرياً، سياسياً أو ميليشيوياً، ومن أي حزب كان أو أي طائفة أو مذهب، في الحكم أو في المعارضة، في القصر أو في الشارع له الكلمة النهائية في ترسيم خطوط الاستقرار واختيار رئيس جمهورية، وحكومة وسياسات وطنية.
اللاعب المحلي، أصبح «مشروعاً دسماً لتقرير المصير»!
اللاعب المحلي في لبنان يُقرر له ولا يقرر هو.
اللاعب المحلي في لبنان تابع وليس متبوعاً، أداة وليس فاعلاً، وكيل عن ولي أمر خارج حدود الوطن!
بعد أيام من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون قمت بزيارة لمعشوقتي مدينة بيروت بعد غياب مؤلم عنها.
ويا ليتني ما أقدمت على هذه الزيارة!
بيروت اليوم ليست عاصمة لبنان، لكنها -بلا شك- عاصمة الألم والمعاناة.
بيروت كانت روح التنوير العربي، ومركز تحريك العقول الراكدة، ومنارة الثقافة والفنون، وعاصمة الموضة والترفيه وجودة الحياة، وأجمل أذواق البضائع الاستهلاكية من أفخر الماركات العالمية.
الآن لم تعد بيروت هي بيروت!
ربطة الخبز تعاني من نقص حاد في الطحين، والكهرباء تظهر ساعتين في اليوم، والكورنيش الجميل أمام «الزيتونة» يعاني من الظلام، ونفق «الحريري» المروري بلا إضاءة، ومعظم البنوك مسيّجة بالحديد خوفاً من الاقتحام، وماكينات الصرف الآلي لا تعمل، وما زالت القمامة تحتل الشوارع الخلفية للعاصمة، وأرفف السوبر ماركات خالية من معظم البضائع، والصيدليات تعاني من نقص الأدوية الأساسية.
الدولار وصل إلى 40 ألف ليرة بعدما عاش لسنوات على سعر 1500!
المحال في معظمها ترفض التعامل بالبطاقات الائتمانية، وأصحاب المتاجر يفضلون التسعير والدفع بالدولار الأميركي!
مرتبات وأجور العاملين فقدت قيمتها الشرائية، فالضابط الذي كان يتقاضى ما يساوي 1500 دولار بالليرة اللبنانية انخفضت قيمة مرتبه إلى 50 دولاراً!
مدير البنك الذي كان يتقاضى ما يساوي 5 آلاف دولار أصبح قيمة دخله تساوي 500 دولار!
حلم الشباب هو الهجرة، وحلم معظم المواطنين الحصول على تأشيرة سفر لأي دولة من لاغوس إلى بكين أو من المنامة إلى باريس.
الحلم هو الخروج من أسوار الفقر والفراغ والعوز وسوء الخدمات والرعب الأمني إلى أي عاصمة كانت، والحصول على أي وظيفة مهما هانت!
بالمقابل هناك الفئات التي هرّبت أموالها إلى الخارج ولديها ما يعرف باسم «الفريش دولار» تعيش عيشة خيالية بسبب القوة الشرائية لهذه الاموال الآن..
هناك طبقة العشر مطاعم الرئيسية والـ15 ديسكو، وكازينو لبنان، والعشرة محال مجوهرات، وزبائن لدى نبتون وهيرميس وكرستيان ديور، وأيشتي ومولات الـABC والستي سنتر ينفقون فيها بلا خوف ولا حساب ولا تردد!
طبقة الـ3 في المائة تفتح شامبانيا كريستال وتتذوق الكافيار الروسي والإيراني، وتقيم الولائم والأفراح داخل بيروت وفي عواصم عالمية.
3 في المائة فوق مستوى الحياة الطبيعية والـ97٪ الباقية تختنق من الفقر والذل وعجز العلاج والفشل في دفع مصاريف التعليم والوفاء بفواتير الحياة اليومية.
بعض الطبقات تنازلت عن شراء اللحم أو الدجاج أو الأسماك إلا في ما ندر وركزت في وجباتها على ما يشبع من الحبوب والخضراوات الرخيصة.
لبنان أصبح لبنانان، لبنان الأقلية الذي يملك ما هو فوق كل شيء، ولبنان الذي يفتقر إلى كل شيء.
وسط ذلك كله هناك طبقة سياسية لديها حالة من «التبلد السياسي» وتتعامل وكأن جسد المريض اللبناني لديه رفاهية انتظار ما لا يجيء أبداً!
هذه الطبقة هي سبب خراب لبنان السابق والحاضر والمقبل!
إنها طبقة الأحزاب والطوائف ومحاصصة الفساد!
حتى ما يُعرف باسم «قوى التغيير» في البرلمان وخارجه انقسمت على نفسها وفقدت يوصلتها السياسية.
لبنان اليوم باختصار بلا رئيس جمهورية، ولديه حكومة تصريف أعمال يرأسها رجل بارع في «الصبر اللانهائي»، وبرلمان بلا قوى متغلبة من الناحية العددية، وبلا صيغة ممكنة للتحالفات السياسية الممكنة.
مطلوب من 128 نائباً أن يحققوا النصاب القانوني للحصول على الأغلبية اللازمة لتسمية رئيس جديد.
لن يتم منح النصاب قبيل أن تتم تسوية خارج رحم البرلمان حول تسمية الرئيس.
يخطئ من يعتقد أن الرئيس المقبل من الأسماء المتداولة.
تؤكد مصادر عليمة بهذا الملف أن الأسابيع الـ6 المقبلة حتى إجازة عطلة أعياد الميلاد سوف تشهد محاولة «حرق أو إفشال أي اتفاق» على تسمية أي من جبران باسيل أو سليمان فرنجية.
وطرح اسم «ميشال معوّض» يهدف لإضعاف مشروع طرح اسم سمير جعجع الذي يعرف سلفاً بما لا يدع مجالاً للشك أن اسمه ليس مطروحاً بشكل جدي ونهائي على مقعد الرئاسة.
لا جعجع، ولا فرنجية، ولا باسيل، ولا معوّض!
يحتل الفراغ وحده إمكانية ملء الفراغ الحالي.
فراغ جديد لملء فراغ قديم!
هناك خلل بنيوي هيكلي في التركيبة اللبنانية في ظل صراع إقليمي حاد يدور في عالم شديد السيولة والارتباك والأزمات.
الانقسام المسيحي – الماروني ما بين عون وجعجع وفرنجية ومعوّض.
الخطأ الأكبر أنه يمكن عمل تسوية حقيقية تعتمد على:
1- سيادة طرف واحد من الثنائية الشيعية على مقدرات الأمور.
2- الاكتفاء بعلاقة مسيحية -مارونية مع «حزب الله» كضمان وحيد لتيسير شؤون إدارة البلاد.
3- محاولة تجاوز السنّية السياسية في بيروت وطرابلس.
ما نلاحظه ونشهده أن هناك حال إحباط عامة في الطوائف، أهمها حال الإحباط السنّي.
رجل الشارع السنّي في طريق الجديدة والحمرا وعين المريسة والقادمين من طرابلس وصيدا إلى بيروت يؤكدون أنّ هناك «مظلومية سنّية» حالية تجاوزت ما كان يتردد عن مظلومية شيعية سياسية.
السنّية السياسية تفتقد «الحريرية السياسية»، وكل محاولات إلقاء اللوم عليها في تدهور شؤون البلاد لم تنجح.
في طريق الجديدة، وفي مقهى شعبي، هناك يقول البسطاء: «نفتقد زعيمنا سعد الحريري» ويتحمّس أحدهم متسائلاً: هل سعد الحريري وحده دون سواه الذي يستقيل تضامناً مع «ثورة تشرين» والوحيد الذي يخلي موقعه من أجل حكومة تكنوقراط؟
ويعود هذا الشاب ويسأل: لماذا يذهب من تضامن مع الشارع ويبقى في السلطة ومفاصل البلاد من قاوم مطالب الشارع بالتغيير؟
صمت «الحريري» المقيم معظم الوقت في أبوظبي، صمت بليغ ينتظر أن تثبت الوقائع والأحداث بالدليل والبرهان القاطع أنه حينما استقال كان قراره عن قناعة، وحينما ترك البلاد كان عن رغبة في عدم المشاركة في جريمة دفن حاضر ومستقبل لبنان.