خاص الهديل:
عندما تم اعلان نظام الطائف نهايات ثمانينات القرن الماضي، ساد كلام في الكواليس عن وجود طائفين اثنين: “طائف أميركي- سوري”، و”طائف أوروبي – عربي”.. وقيل حينها أن الرئيس الشهيد رينيه معوض كان يمثل الطائف الأوروبي، وأنه بمقتله ذهب الطائف الأوروبي العربي، وحل مكانه الطائف الأميركي السوري.
لا يوجد مستمسكات دامغة على صحة هذه النظرية، ولا على صدقية هذا الكلام الذي تردد بقوة في الكواليس اللبنانية والعربية آنذاك؛ ولكن بالمقابل لم يسمع أي مراقب تصريحاً واحداً من مصدر يعتد به، ينفي هذا الكلام!!
وبالأساس فإن المقصود بالطائف الأوروبي العربي، هو “نظام جديد في لبنان لا يوجد فيه دسماً كاملاً لدمشق”، بل “فيه شراكة عربية مع سورية، وفيه شراكة أوروبية وبخاصة فرنسية مع واشنطن”. أما الطائف الأميركي فكان معناه بلغة تلك المرحلة، هو تماماً ما حصل على الأرض في لبنان منذ استشهاد الرئيس الأول المسيحي رينيه معوض حتى استشهاد الرئيس الثالث المسلم رفيق الحريري، وصولاً لما هو عليه لبنان في هذه اللحظة.
.. وثمة اليوم من يريد أن يسأل بإصرار، عن ماذا كان يمكن أن يحدث في لبنان لو أن الطائف الأوروبي هو الذي سيطر على البلد، وليس الطائف الأميركي؟؟.. فهل كانت الأمور ستكون أفضل في بلد الأرز؟؟
لكن من حيث المبدأ فإن طرح هذا السؤال خاطىء ويشوبه الكثير من التبسيط، نظراً لأن قرار وقف الحرب الأهلية في لبنان، لم يكن قراراً أوروبياً، بل كان قراراً اميركياً، وكل الآخرين في العالم وجدوا أدواراً لهم داخل تطبيقات هذا القرار الأميركي، وداخل هذا السلم الأميركي حينها في لبنان، وأيضاً داخل نظام الطائف الأميركي في لبنان.
والواقع ان إعادة إثارة نظرية “الطائف الأميركي” و”الطائف الأوروبي” اليوم لها سبب أساسي، وهو أن لبنان العام ٢٠٢٢ يعيش في ظروف دولية وإقليمية غير تلك الظروف التي كان يعيشها لبنان العام ١٩٩٠ الذي شهد ولادة الطائف.. فحينها كان الأميركي يعيش أجواء التوجه لإنهاء ملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي؛ وكانت الفكرة هو ان التسوية في فلسطين بين اليهود والعرب الفلسطينيين يجب أن تمر بتسوية في لبنان بين المسيحيين والمسلمين.. وعلى هذا السرير وُلد الطائف، ولكن ما حدث حينها هو انه في حين أن ممر التسوية الفلسطينية في لبنان، تم تعبيده بنجاح، فإن التسوية المقصودة في فلسطين تعطلت. وهكذا فاز لبنان بالطائف، ولم يفز الفلسطينيون بحل الدولتين أو ما يشابهه.
وما تقدم يفيد التالي:
أولاً- أن الطائف في لبنان، ولد ليكون ممراً لحل أزمة أكبر من أزمة لبنان، وهي الأزمة الفلسطينية أو بتعبير أدق “القضية الفلسطينية”.
ثانياً- حاول بعض صناع الطائف أن يكون بمثابة اختبار لمدى ملائمته لاعتماده كحل لأزمات الأنظمة السياسية في دول المشرق، من سورية إلى العراق وربما إلى فلسطين. وعليه ليس صدفة ان نظام الطائف اللبناني موجود حالياً بكثير من ملامحه بالنظام العراقي الجديد، وليس صدفة ما يتردد في كواليس المساعي الراهنة لإنهاء الأزمة السورية عن اعتماد الطائف اللبناني في نظام سورية الجديد.
وكل ما تقدم يقود الى فكرة أساسية، وهي أن الطائف لم يصنع فقط لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، بل تم تطبيقه في لبنان، ليكون مدخلاً لحل القضية الكبرى (الفلسطينية) في المنطقة؛ وليكون (حينها) اختباراً لمدى ملائمته كنظام ينهي الحروب الكبرى المقبلة في دول جوار لبنان من سورية إلى العراق.
.. وعليه، فإنه في حال تبين في العام ٢٠٢٢ للعالم الغربي والعربي، ان نظام الطائف سقط في الإمتحان اللبناني، فحينها سيكون لزاماً على صانعيه الكبار إنهاء رهاناتهم على تطبيق الطائف في دول جوار لبنان التي تشهد أزمات داخلية واقليمية.. ولكن لا يبدو أن الأميركي والأوروبي والعربي توصل لقناعة تفيد بأن الطائف فشل في لبنان، بل القناعة التي تسود العالم اليوم هي أن الطائف لم يطبق كاملاً في لبنان، وهذا يعني أن اللبنانيين هم الذين فشلوا بتطبيق الطائف وعليهم تصحيح أدائهم لإستكمال تطبيقه.. أضف أن العالم مقتنع بأن الطائف الأميركي – السوري جرى تنفيذه بوصفه صفقة إقليمية، بأكثر مما هو مشروع تسوية داخلية لحكم لبنان، وبوصفه هدنة داخل الحرب الأهلية اللبنانية، وليس مشروعاً لإنهاء جذور الحرب الأهلية. وبكلام محدد، فإن الطائف لم يطبق داخلياً وأيضاً تعامل معه رعاته الدوليون على انه صفقة اقليمية كبرى في لبنان، وليس تسوية لبنانية كبرى.
.. والواقع أن كل هذه الانطباعات عن مسيرة الطائف، هي التي توحي بالخلفيات التي تبرر لماذا بعد ٣٢ سنة على ولادة الطائف؛ يعود الحديث إليه عن أنه في العام ١٩٩٠ كان يوجد “طائفين اثنين”: الطائف الأميركي- السوري الذي حكم لبنان، والطائف الأوروبي العربي الذي أبعد عن حكم لبنان!!
.
(