كتب عوني الكعكي:
ما يحدث اليوم في المدن الايرانية لا يمكن إلاّ أن يصل الى إنهاء نظام الملالي… الذي أفقر الشعب الايراني وَجَوّعه، وأصبحت المدن الايرانية من العاصمة طهران الى مدن أخرى كتبريز وأصفهان وقم وشيراز وأراك وغيرها، في تراجع على كل الأصعدة إن كان من حيث الجمال الى منظر الغنى الذي تحوّل الى مظهر المدن الفقيرة، ومن الشعب المرفّه الغني لا بل من أرقى شعوب العالم الى مظاهر الفقر والجوع والعوز والتعتير.
تصوّروا ان 70٪ من الشعب الايراني يتقاضى كل منهم شهرياً 20 يورو… من يصدّق أنّ تلك البلاد التي كانت فيها أيام الشاه المصانع التي لا تهدأ من مصنع لسيارات «رينو» الى مصنع لسيارات «بيجو» علماً ان كل مصنع من هذين المصنعين كان ينتج مليون سيارة.. وفي ظل حكم الملالي أقفل المصنعان وعدد من المصانع الأخرى واستبدلت بمصانع لإنتاج الأسلحة.. فتحوّلت إيران من دولة متحضرة في مواجهة الاتحاد السوڤياتي سابقاً، (روسيا حالياً)، الى دولة تتخبّط في مشاكلها الاقتصادية والصناعية والزراعية، والسبب أنّ نظام الملالي عنده مشروع التشييع، ومنهم لن يكتفوا بالـ150 مليون شيعي بل يريدون أن يشيّعوا ملياراً وثلاثماية وخمسين مليون سنّي.
مشروع فاشل منذ اليوم الأول.. ويكفي ان 8 سنوات من الحرب مع العراق تحت نظرية التشييع كانت نتائجها خسارة مليون شهيد في المعارك، وخسارة ألف مليار دولار أسلحة.. والأنكى ان النتائج كانت صفراً أي لا غالب ولا مغلوب.
واليوم تحتاج إيران الى ألف مليار أخرى كي تعود كما كانت قبل الحرب مع العراق.
السؤال هنا: لماذا تجويع الشعب الايراني؟ ولماذا كان الدولار الاميركي يعادل 5 تومان وأصبح اليوم 340 ألف تومان؟ فهل هكذا ينجح النظام بمشروعه الفاشل قبل أن يبدأ..؟
وإليكم ما يحدث داخل إيران، فللمرّة الأولى في إيران، يقوم متظاهرون في مدينة خمين وسط البلاد بإحراق بيت الخميني… وأهمية الحدث ان الخميني هو مؤسّس نظام الملالي في إيران، والمنزل الذي أحرق هو مسقط رأس الخميني.
كما يحدث للمرّة الأولى أيضاً أن يهاجم أبناء قُمْ أنفسهم معظم الحوزات ويقومون بإحراقها وتدميرها في إشارة ثانية لأهمية التظاهرات واتخاذها أبعاداً واسعة… والجميع يعرف ما لمدينة قُمْ من رمزية، فهي تجمع الحوزات التي تخرّج العلماء المعمّمين… واللافت ان هذا العمل قام به أبناء المدينة. إنها ثورة ولا شك ضد أصحاب العمائم.
كذلك يحدث للمرّة الأولى أن يسيطر المتظاهرون على مدينة بوكان… فسدّوا مداخلها وسيطروا على الدوائر والمراكز الرسمية لتخرج المدينة كليّاً عن سيطرة النظام.
واللافت أيضاً أنّ التظاهرات المعارضة لنظام الملالي عمّت أنحاء البلاد في أكبر مدن إيران: في شيراز وأراك وأصفهان والأهواز وغيرها.
أما في طهران فقد عنفت التظاهرات وبخاصة في حي الفردوس للمناداة بإسقاط الخامنئي المرشد الأعلى للثورة… وظهرت عمليات خطف العمائم وإخفاؤها كلياً..
لقد بات لكل منطقة من المناطق في إيران رمزية خاصة، إذ لا يوجد مكان لم يُقتل فيه طفل أو امرأة أو رجل..
يمكن القول إنّ الثورة اشتدت ضد نظام «الباسيج» والحرس الثوري..
وهنا أتوقف أمام هذه الأحداث المتعاقبة لأتساءل: لو كان نظام الملالي امتنع عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، وصرف أموالاً طائلة «في الطالع وفي النازل» على ميليشياته في لبنان (حزب الله)، وفي سوريا، وفي العراق (الحشد الشعبي)، وفي اليمن (أنصار الله الحوثي)، وحتى في فلسطين (حماس)، ولم تصل مساعداته السخيّة الى دول إقليمية وعالمية أخرى.. أقول: لو كان النظام امتنع عن إهدار هذا الكم الطائل من الأموال… ألم تكن طهران اليوم شبيهة بمدن المملكة العربية السعودية ودبي ومدن الكويت بدل أن تنهار لتصل الى حافّة الهاوية..؟ ولتصبح كدمشق اليوم، لا دمشق حافظ الأسد، وبغداد التي تغيّرت عن بغداد صدّام حسين.
ألم يكن الشعب الايراني يعيش اليوم في بحبوحة ورغد عيش وهناء؟
لكن هذا التحوّل من إيران القوية الى إيران المنهارة جاء بسبب هذا النظام الفاشل الذي قد يكون قد اقترب من نهايته.
*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*