خاص الهديل:
بدأت مبادرة الرئيس الفرنسي ماكرون في لبنان على أيام إدارة الرئيس ترامب، وحينها شاع الكثير من التحليلات، وبعضها كان صحيحاً وبعضها الآخر اعتراها الاختلاقات. والجزء الصحيح هو ذاك الذي، يقول أن ماكرون لم يمنحه ترامب، كما كانت توحي باريس، تفويضاً أميركياً كي يحل أزمة بلد الأرز؛ وكل القصة أن ماكرون حاول ملء فراغ الرياض وواشنطن، وكان يظن أنه سينجح، وأنه عند بلوغه لحظة النجاح؛ فإن كلاً من الرياض وواشنطن ستهبان لتأييد مباردته اللبنانية.
لكن مصدر دبلوماسي غربي في بيروت، وصف حينها على نحو دقيق كيف تقيّم إدارة ترامب بخاصة، وواشنطن بشكل عام، شخصية ماكرون ومبادراته في لبنان وغير لبنان؛ حيث قال التالي: في الولايات المتحدة الأميركية ينظرون إلى ماكرون بوصفه جندياً متحمساً؛ فهو لا يحتسب خطواته جيداً، وغالباً ما يتسرع ويصطدم بالحائط؛ هذا ما حصل معه في ليبيا ومن ثم في سورية وحالياً في لبنان. وواشنطن تحب أن تتفرج على الجندي الفرنسي المتحمس وهو يندفع بأقصى سرعته، ليصطدم بالحائط، ويتم سماع صوت اصطدامه في كل أرجاء الخارجية الأميركية التي تبخل على ماكرون بتقديم أية نصيحة له.. لسان حال إدارة ترامب وكل المستوى الأميركي بخصوص مبادرات ماكرون يقول: دعه يجتاز كل المسافة حتى يصطدم بالحائط المسدود.
…ومع وصول بايدن إلى البيت الأبيض ساد تحليل يقول أن الإدارة الأميركية الديموقراطية سيكون لها موقف تعاون إيجابي في الملفات الدولية مع أوروبا، وخاصة مع ماكرون، وذلك على عكس ما كان سائداً أيام ترامب.. ولكن هذا التوقع كان صحيحاً بنسبة محدودة؛ ذلك أن الأميركيين سواء الجمهوريين منهم أو الديموقراطيين، لا يميلون الى إعطاء تفويض أميركي لباريس في لبنان، بل أحياناً وفي حالات قليلة، يمارسون سياسة غض الطرف عن محاولات باريس لعب دور دولي في لبنان، وذلك عندما تكون الإدارة الأميركية مشغولة بأولويات أهم من لبنان.
وفي هذه المرحلة يمكن تأكيد معلومتين اثنتين حول الدور الفرنسي في لبنان وفي انتخاب فخامة الرئيس:
المعلومة الأولى هي أن باريس لم تكن تملك أيام ترامب ولا تملك الآن مع بايدن أي تفويض أميركي بالعمل في لبنان لحل أزمته أو لتجاوز الشغور الرئاسي. وكل القصة أن ماكرون يتصرف في لبنان، انطلاقاً من عدة اعتبارات؛ أبرزها أن إدارة بايدن ليست ضد أن يكون لباريس مساعي في لبنان، خاصة مؤخراً بعد أن ساهمت بشكل معين، عبر شركة توتال، بتعزيز عملية التوصل الى اتفاق ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية، كما سيكون لها دور في تنفيذ هذا الاتفاق المهم لادارة بايدن. الاعتبار الثاني هو أن ماكرون يحاول انشاء شراكة مع السعودية في لبنان. وذلك انطلاقاً من وجود ثابتة إستراتيجية في مقاربة باريس لشروط حل الأزمة اللبنانية؛ وترى هذه المقاربة أنه قد يكون ممكناً انتاج حل في بلد الأرز من دون واشنطن فيما لو لم ترغب الأخيرة بالعمل في لبنان، ولكن لا يمكن انتاج حل في لبنان من دون دور أساسي للسعودية، والسبب من وجهة نظر الأوروبيين، وبخاصة باريس، هو أنه لا بديل عن السعودية في توفير الغطاء السياسي والمالي لأي حل في لبنان. الاعتبار الثالث يتصل بأن ماكرون يمارس في لبنان نشاط “الجندي المتحمس” حسب وصف الأميركيبن له، فهو بعد كل اصطدام له بالحائط يعود الى خط البداية ليطرح أفكاراً جدبدة بخصوص الحل في لبنان.
وتقول المعلومات أنه في آخر محاولة طرحت السفيرة الفرنسية على حارة حريك صيغة تسوية قد تقبل بها الرياض، وهي أن يقبل حزب الله بنواف سلام رئيساً للحكومة بمقابل ان تقبل السعودية بفرنجية رئيساً للجمهورية، ورد الحزب بأنه سيدرس الاقتراح، ولكن هناك معلومات غير مؤكدة قالت إن السعودية رفضت هذا الاقتراح الفرنسي، وقالت إن الرياض تعرف فرنجية أكثر مما تعرف نواف سلام، فلماذا تقوم فرنسا بإنشاء هذه المقايضة!!
المعلومة الثانية تتعلق بأن باريس ليس لديها تاريخ في الاتيان برئيس للجمهورية في لبنان، بل كان دائماً يقتصر دورها، ولا يزال على تسهيل عملية انتخاب رئاسة الجمهورية. ولكن ماكرون سيحاول انتهاز كثرة اتصالاته ولقاءاته ببايدن على خلفية الأزمة الاوكرانية من أجل طرح الموضوع اللبناني معه.
…الى ذلك، فإنه في باريس يوجد حالياً غير مطبخ لبناني سياسي يعمل على ملفات لبنانية سياسية داخلية: فسليمان فرنجية موجود في باريس عبر رجل أعمال الغاز والنفط العالمي الشاغوري الذي لديه علاقة أعمال في قطاع النفط قديمة مع باريس.. وأيضاً رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي موجود في باريس عبر علاقة وثيقة مع الاليزية.. ولكن باريس أصبحت اليوم موجودة في لبنان عبر توتال الشريكة في تطبيق الاتفاق البحري اللبناني الإسرائيلي؛ وهي موجودة أيضاً على خط الدمج بين الحل الاقتصادي والحل السياسي وذلك عبر فكرة أن تدعو باريس لمؤتمر إعادة تأسيس التسوية الميثاقية في لبنان، ويكون هذا المؤتمر هو مدخل انتخاب رئيس حل الأزمة وليس استمرار الأزمة.