خاص الهديل:
البيان الذي قال المكتب الإعلامي للرئيس ميشال عون أنه توضيحي رداً على ما قاله رئيس حكومة تصريف الأعمال بخصوص طلب عون منه تجنيس ٤ آلاف شخص؛ عاد ميقاتي ورد عليه (أي على البيان التوضيحي) بثلاث جمل حصراً لا غير:
الجملة الأولى قال فيها ميقاتي: “أتمسك بكل ما قلته بخصوص قضية التجنيس” – أي بكل الكلام الذي قاله ميقاتي قبل بيان عون التوضيحي – ..
والجملة الثانية أكد فيها ميقاتي أنه “يحترم مقام رئاسة الجمهورية”.
والجملة الثالثة قال فيها ميقاتي: “اكتفي بهذا القدر – المختصر من الكلام – احتراماً لعون”..
في علم اللغة يقول العرب ان “البلاغة هي في الإيجاز”؛ أي الاختصار؛ وكذلك في السياسة، فإن الكلام الصادر عن المسؤول يجب أن يكون بالحجم وبالمعنى، متناسباً مع الجهة الموجه إليها كلام المسؤول؛ ولذلك اكتفى ميقاتي “بهذا القدر الضئيل من الكلام ” في رده على بيان عون التوضيحي.. والقضية هنا لست ضرباً من الاستعلاء بل “تقنين الوسائل”، وعدم صرفها عبثاً، بل حشدها حيث هناك جدوى…
ومن خلال الإطالة التي استعملها عون في بيانه التوضيحي؛ يبدو واضحاً أن عون وربما صهره من وراءه، يريدان فتح وافتعال سجال وجدال سياسي مع رئيس الحكومة والرئيس المكلف، وبالمقابل كان واضحاً من خلال “بيان الجمل الثلاثة”، ان ميقاتي لا يريد فتح سجال لا مع ميشال عون الخارج من قصر بعبدا إلى العتمة، ولا مع باسيل الباحث عن صورة لحيويته وسط ضجيج مونديال قطر.
والواقع ان نوعية السجال المقتضب من ميقاتي والمطول من عون، يكشف أن البلد، على مستوى الفعل السياسي، دخل في مرحلة سياسية بعدة مشاهد؛ ولعل المشهد الأهم والأول فيها، يوضح أنه بعد ٣١ تشرين أول أصبح ميقاتي في مكان، والرئيس عون وصهره في مكان.
…وعليه، فإن السجال بين ميقاتي الذي هو حالياً “رئيس حكومة تصريف الأعمال” و”الرئيس المكلف”، وبين عون الذي هو حالياً فخامة الرئيس السابق المنتهية ولايته؛ ومعه صهره الذي هو حالياً الوزير السابق والمنتهية ولاية عمه الرئاسية، لم يعد له جدوى بالنسبة لميقاتي، بل أصبح سجالاً بلا معنى، وليس متكافئاً، ولا يفيد بشيء سوى “العم” و”الصهر” اللذين لهما مصلحة ملحة بالدخول إلى دائرة الضوء والتفاعل وصناعة الحدث الموجود فيها حالياً رئيس الحكومة والرئيس المكلف نجيب ميقاتي..
المشهد الثاني يتعلق بأن كلام ميقاتي عن رفضه طلب عون منح الجنسية لـ٤ آلاف شخص، كان له لرئيس الحكومة، سياقه الأبعد من فكرة إثارة السجال مع رئيس الجمهورية السابق؛ فالرئيس ميقاتي كان يحاول وفق أسلوبه، تسليط الضوء على تحديات موجودة قبل المرحلة الراهنة، وستظل موجودة بعد المرحلة الراهنة.. وهو يحاول انطلاقاً من مسؤوليته الوطنية التركيز على ضرورة القيام بدور مستديم لمواجهة هذه التحديات.
بمعنى آخر، ليس لميقاتي مصلحة أو هدف أو حتى رغبة بفتح سجال مع الماضي حيث يوجد الآن ميشال عون، بل كل مصلحة ميقاتي، وكل رغبته وكل اهتمامه، منصب الآن حول الغد، انطلاقاً مما يستطيع أن يؤسس له اليوم، وانطلاقاً من القدرة على معالجة الموانع التي تحول دون التقدم بالبلد إلى الأمام.
وما يجدر إيضاحه أيضاً، هو أنه يوجد اليوم في البلد منطق يهتم بالامس، لأنه لم يعد لديه صلة مع اليوم ولا مع الغد، وهذا المنطق يمثله عون، ويمثله بيانه الإيضاحي الصادر عن مكتبه الإعلامي.. وبالمقابل هناك “منطق” مهتم بما يجب فعله اليوم والغد، ويمثله رئيس حكومة تصريف الأعمال والرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي لا وقت لديه لفتح سجالات مع “منطق الأمس”، بل له مصلحة بكشف أية مؤشرات خطرة ظهرت بالأمس وسيكون لها نتائج في الغد، وله مصلحة أن يقول كلاماً مقتصداً في الوقت الثمين فيما لو اضطره أصحاب “منطق الأمس” الرد عليهم…
وبالنهاية، من الأفضل استعارة عبارة ميقاتي للقول أن “هذا القدر يكفي” في مجال التعليق على البيان الإيضاخي لعون؛ سيما وأن كلام ميقاتي عن فضيحة محاولة تجنيس الـ٤ آلاف شخص، لا يزال في مكانه؛ وأن هدفه أبعد من عون المنتهية ولايته، وهو التنبيه لخطورة التجنيس العشوائي، خاصة في هذه المرحلة..