خاص الهديل:
التهديد الإسرائيلي بضرب مطار بيروت؛ يُذكّر بشكل تلقائي بتفجير العصر الذي حدث في مرفأ بيروت، ويستدرج المنطق الى سؤال يربط بين هذا التهديد الجديد لإسرائيل المتكرر بضرب بنى ومرافئ لبنان التحتية الاستراتيجية وبين تفحير المرفأ. ..صحيح أنه لغاية الآن، ليس هناك دلائل مادية دامغة عن حصول قصف إسرائيلي لمرفأ بيروت، ولكن الصحيح أيضاً أنه لغاية الآن لا توجد أدلة دامغة تنفي هذا الاحتمال من ناحية، بينما توجد من ناحية ثانية، عشرات الدلائل المعنوية التي تقدمها إسرائيل ذاتها عن رغبتها الاستراتيجية الدائمة بإلحاق الأذية بمرافئ لبنان الأساسية، وذلك بغض النظر عن الأسباب المباشرة التي تطرحها لتبرير رغبتها هذه.
…والفكرة الأساسية هنا، هي أن تهديد إسرائيل بضرب مطار بيروت، لم يأت كواقعة منفصلة عن سياق مزمن وقديم من التهديدات الإسرائيلية بضرب مطار بيروت وكل البنى التحتية اللبنانية.
…بمعنى آخر فإن التهديد الأخير لم يأت فقط – كما تدعي إسرائيل – بسبب أن المطار يستقبل صواريخ دقيقة لصالح حزب الله، بل هو يأتي عملياً وسياسياً كاستكمال لبروز هدف إسرائيلي استراتيجي عمره من عمر الكيان الصهيوني، قوامه تدمير بنى لبنان التحتية، توصلاً لإعادة لبنان الى القرون الوسطى، وبالأساس توصلاً إلى تحقيق الهدف الحقيقي الإسرائيلي المضمر وهو تدمير دور لبنان الاقتصادي في المنطقة.
وما تقدم يحتم على أي وزير خارجية في لبنان أن يتعامل في المحافل الدولية مع أي تهديد تطلقه إسرائيل بقصف المطار أو أي بنى تحتية في لبنان، انطلاقاً من حقيقتين اثنتين يتوجب على بيروت إثارتهما في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية:
الحقيقة الأولى – إظهار أن التهديدات الإسرائيلية بتدمير بنى لبنان الاستراتيجية (المطار وغيره) موجودة لدى تل أبيب قبل ملف الصواريخ الدقيقة لحزب الله، وقبل ملف صواريخ الكاتيوشا لحركة فتح في لبنان.. والتركيز من قبل لبنان على أن هذه التهديدات اعتادت في كل مرحلة أن تتحجج بهذه الملفات العسكرية، لتخفي الاستراتيجية الإسرائيلية الحقيقة الموجهة لهذه التهديدات، وهي تدمير بنى ومرافئ لبنان الاقتصادية، تنفيذاً لرؤية إسرائيلية استراتيجية ترمي إلى ضرب دور لبنان الاقتصادي في المنطقة.
ثانياً – ان تكرار التهديدات الإسرائيلية منذ ستينات القرن الماضي حتى اليوم؛ بتدمير بنى لبنان التحتية الإستراتيجية، يعني التالي:
– وجود توجه دائم داخل العقل العسكري والسياسي الإسرائيلي لاستهداف مرافئ وبنى لبنان التحتية الاستراتيجية.
– هذه التهديدات المتكررة على مدى عدة عقود، تعكس وجود خطة عسكرية في إسرائيل تكمن وراءها رؤية إسرائيلية استراتيجية ترى أنه يجب القيام بضرب مرافئ لبنان الإقتصادية في كل مرة يسمح الظرف بذلك. على أن تتم هذه الضربات تحت حجج مختلفة وبأساليب مختلفة، بحيث ينفذ بعضها بشكل علني إذا سمح الظرف بذلك، ومن دون تبني المسؤولية عن العدوان إذا كان الظرف غير موات.
إن سياق تعامل إسرائيل مع فكرة تدمير لبنان اقتصادياً ليس سياقاً جديداً، ولا يرتبط برد فعل عسكري معين، بل تكمن خطورته في أنه سياق مزمن، وأنه سياق له صلة عميقة بخطط إسرائيل للسيطرة على اقتصاد المنطقة وإزاحة لبنان من طريق طموحها هذا ..
والواقع أن هذا التحليل لهدف إسرائيل العميق الكامن وراء تهديدها بتدمير مطار بيروت؛ يأخذ إلى فرضية أن تكون تل أبيب هي وراء تفجير مرفأ بيروت، وذلك تنفيذاً لخطتها بضرب دور لبنان الاقتصادي في المنطقة عبر شن حرب ممرحلة، تتضمن أساليب عنيفة عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية مختلفة، وضربات علنية وخفية.
والواقع أنه حينما يهدد كبار المسؤولين الإسرائيليين أكثر من مرة بتدمير بنى لبنان التحتية، وحينما يعلن هؤلاء أكثر من مرة أن القيادة العسكرية الإسرائيلية وضعت خططاً لتدمير البنى التحتية للبنان، وحينما تهدد الحكومة الإسرائيلية بتدمير مطار بيروت، فإن كل هذه التصريحات تطرح سؤالاً عما إذا كانت إسرائيل، لسبب ما، قامت بتدمير مرفأ بيروت سراً، وقد تقوم بتدمير مطار بيروت سراً، طالما أنها تضع “عقوبة التدمير لمرافئ لبنان وبناه”، على طاولة قرار عملياتها العسكرية العلنية والسرية، كما يتبين من تهديداتها المستمرة؟!
من الضروري أن تطرح الخارجية اللبنانية هذا السؤال على المحافل الدولية، وأن تطالب بتحقيق دولي لمعرفة ما إذا كان هناك خطط عسكرية إسرائيلية يتم تنفيذها على مراحل لضرب بنى لبنان الاقتصادية؛ ومعرفة ما إذا كان قرار تدمير دور لبنان الاقتصادي قد تم اتخاذه في اسرائيل، وما إذا كان تفجير مرفأ بيروت أحد الحلقات التنفيذية السرية لهذا القرار، وما إذا كان التهديد بضرب مطار بيروت تحت حجة وصول صواريخ إيرانية إليه، هو أحد حلقات هذا القرار السياسية والإعلامية..
…ومن الضروري أن تطالب “خارجية أبو حبيب” أيضاً المجتمع الدولي بأخذ ضمانات من تل أبيب بأنها لن تنفذ تهديداتها ضد لبنان، وذلك في أيام الحرب أو في أيام الهدوء، وذلك عن طريق عدوان مباشر وواضح أو عن طريق عدوان مستتر وسري ومفاجئ.
إن ترويج إسرائيل لمنطق أن ثمن سلاح حزب الله الصاروخي، هو تدمير دور لبنان الإقتصادي في المنطقة من خلال تدمير بناه التحتية، هو منطق إجرامي وغير مفهوم وغير مبرر.. قد يكون مفهوماً لمؤيدي اسرائيل في العالم، وليس للبنان طبعاً، أن تقول تل أبيب بأنها تريد تدمير سلاح حزب الله (!!)، لأنه يشكل خطراً على “أمن” احتلالها، ولكن ليس مفهوماً أن تقول أنه بسبب سلاح حزب الله ستدمر مقومات لبنان الاقتصادية بالكامل.. فهذه الحرب التي تعلنها اسرائيل هدفها الحقيقي ليس سلاح حزب الله، بل دور لبنان الإقتصادي في المنطقة.
سبق لإسرائيل في ستينات القرن الماضي أن نفذت عدواناً عسكرياً على مطار بيروت؛ بحجة أن الفدائيين الفلسطينيين حينها يستعملونه في تنقلاتهم اللوجستية. لقد دمرت إسرائيل آنذاك عدداً من طائرات الأسطول الجوي المدني اللبناني وهي جاثمة على أرض المطار.. ولقد بررت تل أبيب ذاك العدوان الإسرائيلي آنذاك بأنه رد من قبلها على أن الفدائيين مروا بشكل مدني من مطار بيروت الى الجهة التي نفذوا فيها عملية ضد المصالح الاسرائيلية!!
وما يمكن ملاحظته هنا هو أنه رغم هذا السبب البسيط، وشبه العادي، والذي لا يُحمل لبنان أية مسؤولية فعلية، فإن تل أبيب حينها اعتبرته ذريعة لقصف مطار بيروت، وليس فقط لتهديد مطار بيروت ..
وما يجب التوقف عنده بخصوص عدوان الستينات على مطار بيروت هو أن المبرر حينها لم يكن تمرير صواريخ دقيقة من مطار بيروت، بل حركة سفر عادية لمدنيين؛ ومع ذلك استغل الإسرائيلي هذا الأمر، وتحت غطاء أنه يقاتل الفدائيين في لبنان، وجه ضربة للاقتصاد اللبناني عبر ضربه حينها مرفأ بيروت!!!
وتؤكد هذه الواقعة أن تل ابيب لديها قرار مسبق واستراتيجي بإيذاء مطار بيروت الدولي ومرفأ بيروت الدولي وكل بنى لبنان الاقتصادية الاستراتيجية، وأنها تبحث عن سبب لفعل ذلك..