بقلم: الشيخ مظهر الحموي
لم يعد هذا الدين وشريعته الغراء يرضى أن يكون دائما في موقع الدفاع عن عقيدته السمحاء في وجه المشككين والمتعنتين الذين يسعون من حين لآخر الى محاولة النفاذ الى بعض ما يظنونه ثغرة في هذا الدين وفي القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
ولعل أكثر الترهات مدعاة للسخرية ولتفاهتها إستمرار بعض المتفلسفين ، وللأسف أن فيهم من أبناء جلدتنا الذين يتطاولون على الإسلام تحت ذريعة العلم والموضوعية والنقد والحرية وبخاصة في مؤلفات مدسوسة وملتوية تسمى ( نقد العقل العربي) او بصورة أوضح ( نقد الفكر الديني).
ولعل أبرز ما يظنونه مثلبا ونقيصة في هذا الدين هو مسألة الغيبيات القضاء والقدر ، حيث يبرع هؤلاء المشككون بإلقاء التهم الإعتباطية والتي تحمل الكثير من المغالطات وسوء الفهم لهذه العقيدة، بل وفرض تفاسيرهم وإستنتاجاتهم والتي هي خلافا لحقيقة الإيمان الصحيح ومواصفاته ومظاهره ومؤداه.
و ليست هذه الكلمات مجالا لتفنيد ترهات هؤلاء المتحرضين ، بل ولسنا في صدد الزود بهذه العجالة عن عقيدتنا ، بل يكفي أن نصفعهم بمثال واحد على سوء نيتهم ، بل ووقوعهم وحدهم في مطب الخرافات والبدع والأساطير ، وذلك ما شاهدناه ونشاهده في ختام كل عام ميلادي ، ما تمطرنا به وسائل الإعلام المختلفة من برامج خاصة وحوارات يعلنون عنها في أوقات مسبقة في لقاءات مع من يسمون أنفسهم خبراء فلكيين أو منجمين يتصدرون شاشات الفضائيات ويتبجحون في معرفتهم المستقبل والأبراج خلال العام المقبل في الصحة والحياة والعاطفة والعمل والتوقعات السياسية والإقتصادية والأحداث وغيرها…
ومما يبعث على التندر أن بعض هؤلاء ما يسمونهم ب (العرافين والعرافات) الذين يدّعون مشاهدة أجواء العام القادم ومزاعمهم عن الأبراج وحظوظ الناس في خلال هذا العام ، فإنهم يتنقلون بين محطة وأخرى يتأبطون كتبهم ومذكراتهم ليمطروا المشاهدين بما يسمونه تنبؤ فيهنئون صاحب هذا البرج على سنة رائعة ، أو يحذرون الناس من عام المفاجآت وما يحسونه من أحداث وسنة كبيسة ستمر على البلد وعلى المنطقة بكل ثقة وإعتداد والعياذ بالله.
ولا ندري كيف ينجذب هؤلاء الناس مع نهاية كل عام ميلادي لسماع تلكم التخرصات التي تزعم حدوث وقائع معينة ومناسبات بعينها فيما للأسف تسجل كتب التنجيم والأبراج نسبة مرتفعة في معارض الكتب السنوية .
ويحق لنا ان نتساءل عن هذا التلفيق الذي وفد إلينا من بلاد (العلم) التي لطالما تغمز من قناة شريعتنا وتتهمنا بالرجعية والتخلف مما يدعوننا الى ان نتساءل حقا عن الرجعي والمتخلف فعلا.
إنها ازمة مستشرية في ختام كل عام لا ندري كيف تستفحل حتى في نفوس بعض المتعلمين والمثقفين وتكاد تصيبهم بإدمان تتبع زاوية الأبراج اليومية للعرافين والعرافات .
وليس الامر عندنا فقط بل هو في سائر البلاد العربية وغيرها والتي تمتلىء صحفها وفضائياتها ومواقعها عبر الإنترنت بالابراج والحظوظ وما يزعمونه توقعات.
وهنا نتساءل من هو أحق بنقد فكره وإدعاءاته الغيبية ومزاعم كهانه !؟ هل الإسلام الذي جاء ليحرر العقول من ضلالات الوهم والخرافة، وترّهات الدجل والشعوذة وليحذر الناس من تصديق العرافين ، وانه لم تقبل صلاة المصدق لأربعين يوما ، أم أولئك ( العقلانيون) الذين يتهافتون بسذاجة وطفولية للإنصات إلى حظوظ أبراجهم وتفاهات المنجمين والعرافين بالعام القادم.
ألا فليصمت هؤلاء المشككون بشموخ ديننا ودعوته للعقل وعدم تصديق من يدّعون العلم بالغيب ، فهذه التهمة مردودة عليهم ، ولسنا في حاجة إلى من يتذاكى لنقد فكرنا الديني فنحن في غنى عن هذه الترهات والشبهات التي تصدق فيهم مقولة ( *رمتني بدائها وانسلت* )
أما المؤمنون الصادقون لا يبالون بمثل هذه الكهانة وهم على يقين بالله تعالى انه وحده من يعلم الغيب فهو القائل سبحانه ( *قُل لَّا یَعۡلَمُ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ٱلۡغَیۡبَ إِلَّا ٱللَّهُۚ* …) وقال ايضا ( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )
، فكفى ايها الناس هراء وتدليساً ورجعيةً وتخلفاً .
ونذكركم بقول رسول اللهﷺ ( مَن أتَى عَرَّافًا أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ).
أما من يسأل عرافا أو كاهنا من غير أن يصدقه فقد ورد أن النبي ﷺ ( من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة اربعين ليلة )