ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، لمناسبة ذكرى ختانة ربنا يسوع المسيح بالجسد وتذكار أبينا الجليل في القديسين باسيليوس الكبير ورأس السنة، خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس بحضور حشد من المؤمنين.
وبعد قراءة الإنجيل المقدس، ألقى عودة عظة قال فيها: “بــعـــدمـــا عــيـــدنـــا الأســبـــوع الــمـــاضـــي لــتــجــســـد ربــنـــا وإلــهــنـــا يــســـوع الــمــســيـــح، وتــنـــازلـــه لــيــكـــون تــحـــت الــنــامــوس الــبـــشـــري، نــعـــيــد الــيــوم لإتــمــامـــه إحـــدى فـــرائـــض هـــذا الــنـــامـــوس، أي الــخــتــانــة بـــالــجــســـد. كــمــا نــقــيـــم تـــذكـــار الــقـــديـــس بـــاســيــلــيـــوس الــكــبــيـــر، رئــيـــس أســـاقــفـــة قــيــصـــريـــة كــبـــادوكــيـــا. الــخــتـــان فـــي الــعــهـــد الــقـــديـــم كـــان بــمــثـــابـــة عــهـــد يــقــطـــع بــيـــن الله والــشــعـــب (تـــك 17: 11)، يــمـــارســـه الإنــســـان فـــي ذاتـــه كــعـــلامـــة لا تــمــحـــى مـــن جــســـده. وكــمـــا أن الــخــتــان هـــو خــتـــم الــعــهـــد الــقـــديــم، أصـبـحـت الــمــعــمـــوديـــة خــتـــم الــعــهـــد الــجـــديـــد”.
وأضاف: “لــقـــد ســـاوى الــمـســيـــح نــفــســـه بـــالــبــشـــر عــنـــدمـــا تــجــســـد، ثـــم أتـــم هـــذه الــمــســـاواة كـمـــا أوصـــى الله فـــي الــعــهـــد الــقـــديـــم: (إبـــن ثــمـــانــيـــة أيـــام يــخــتـــن مــنــكـــم كـــل ذكـــر فـــي أجــيـــالــكـــم) (تـــك 17: 12). يــقـــول الـــرســـول بـــولــس: (خــتـــان الــقــلــب بـــالـــروح لا بـــالــكــتـــاب هـــو الــخــتـــان الـــذي مـــدحـــه لــيـــس مـــن الــنـــاس بـــل مـــن الله) (رو 2: 29). كـــلام الـــرســـول يـــأتـــي تـــأكــيـــدا عــلـــى مـــا جـــاء فـــي ســفـــر تــثــنــيـــة الإشــتـــراع حــيـــث نــقـــرأ: (ويــخــتـــن الـــرب إلــهـــك قــلــبـــك وقــلـــب نــســلـــك لــكـــي تــحـــب الـــرب إلــهـــك مـــن كـــل قــلــبــك ومــن كــل نــفــســك فــتــحــيـا)(تــث 30: 6). فـــي أعــمـــال الـــرســـل يـقـــول الــقـــديـــس اســتــفـــانـــوس أول الــشــهـــداء: (يـــا قــســـاة الـــرقـــاب، وغــيـــر الــمــخــتـــونــيـــن بـــالــقــلـــوب والآذان، أنــتـــم دائــمـــا تــقـــاومـــون الـــروح الــقــدس. كــمـا كـان آبـاؤكـم كــذلــك أنــتـم) (أع7: 51). الــيـهــود لــم يــتـمــمـوا الــشــريـعــة الــمـــوســـويـــة، مـــع أنـــهـــم يــقـــولـــون إنــهـــم مـــؤمــنـون ومـــتـــمــســكــون بــهـا، إلا أنــهـــم كـانـوا مــرائـيــن، يــحـاســبـــون الآخــريــن عــلـى عـــدم تــطــبــيــق حــرفــيــة الــنـامـوس، ويــتـهــاونـون هـم فـي إتــمــامـه. الأمـــر نــفــســـه قـــالــه الــمــســيـــح: «ويــل لــكــم أيــهـــا الــكــتــبـــة والــفـــريــســيـــون الــمـــراؤون، لأنــكـــم تــغــلــقـــون مــلـكـوت الــســمـاوات قــدام الــنـاس، فـلا تـدخـلـون أنـتم، ولا تــدعـــون الـداخــلـيــن يــدخـلـون) (مــت 23: 13)”.
وتابع: “لـقـد ارتــضـــى الــمــســيـــح أن يــخــضـــع لــحـــرفــيـــة الــنــامـــوس لــكـــي يــعــتـــق الــبــشـــر مـــن الــعــبـــوديـــة لــتــلـــك الــحـــرفــيـــة، ويــنــقــلــهـــم إلـــى الــعــيـــش بــحــســـب روح الله. يــقـــول الــقـــديـــس كــيــريـلــلـــس الإســكــنــدري: «الــمــســيــح افــتـــدى مــــن لــعــــنـــة الــنـــامـــوس أولــئـــك الـــذيـــن، بـــوجـــودهـــم تــحـــت الــنـــامـــوس، كـــانـــوا عـــاجـــزيـــن عـــن إتــمـــام قـــوانــيـــنـــه. وبـــأي طــريـقــة افـــتــداهــم؟ بـإتـمـــامـه الــنـامـوس، فــبـعـــد خــتـــانـــه أبــطـــل طــقـــس الــخــتـــان بــمــجـــيء مـــا كـــان يـــرمـــز لـــه، أي الــمــعــمـــوديـــة». لــهـــذا، يــقـــول الـــرب يــســـوع: «لا تـــظـــنـــوا أنـــي جــئـــت لأنــقـــض الــنـــامـــوس والأنــبــيـــاء. مـــا جــئـــت لأنــقـــض بـــل لأكــمـــل» (مـــت 5: 17)، إذا، تــمـــم الــمــســيـــح فـــرائـــض الــنـــامـــوس لــكــي يــكــمـــل الــمــســيـــرة ويــحـــرر الــجــمــيــع مــن الــفـــرائـــض الــحـــرفــيـــة، مـــن الــعــبـــوديـــة، جـــاعـــلا الــجــمــيـــع أبــنـــاء لله. لـذلـــك يــــقـــع عــــيـــد الــخــتـــانـــة بــيـــن الــتــجــســـد الإلــهـــي والــظــهـــور الإلــهـــي، إذ بـالــتــجــســـد بـــدأ مــشـــروع الــتــبــنــي، وبـــالــخــتـــانـــة مــهـــد لـــه، وبـــالــمــعــمـــوديـــة أكــمــل بــعــهـــد جـــديـــد وضــعـــه الــمــســيـــح بـــديـــلا عـــن الــخــتـــان. ولـكـي يــقـــدم الإنــســـان شــيــئـــا مـــن جــســـده عـــربـــون عــهـــد بــيــنــه وبــيـــن الله، يــقــــص شــعــــره بـعــد تــغــطــيــسـه وصــيــرورتـه ابــنا فـي الـمـعـمـوديـة”.
وأردف: “بـــإتــمـــامـــه الــخــتـــان، أظــهـــر الــمــســيـــح، أنـــه هـــو نــفــســـه كـــان مــعــــطـــي الـــنـــامـــوس فـــي الــعــهـــد الــقـــديـــم، لأن عــلـــى الــمـــشـــتـــرع أن يــحـــتـــرم الــشـــريـــعـــة ويــطــبـــقــــهــــا. لـــقـــد رفـــع الـــرب الــــنـــامـــوس دون أن يــنــتــهــكـــه، وأظــهـــــر أنـــه عــلـــيــــنـــا نــحــــن أيــــضـــا أن نـحـــفــظ نـــامـــوس الله الـــذي يـهـــدف إلى خـــلاصــنـــا. هــنـــا نـــدرك رفــعـــة الــمــســيـــح واخــتـــلافــه عــن الــمــشــتـــرعــيـــن الأرضــيــيـــن. هــؤلاء يــفــتـــرض أنــهــم مــؤتـمـنــون عــلــى الاشــتـــراع وتــطــبــيــق الــشـــرائـــع والــقـــوانــيـــن والـــدســتــور، لــكــنــهـــم يــفــعــلـــون عــكـــس ذلـــك كــلــيـــا، لا بـــل يــجــتــهـــدون فـــي تــفــصـيـل قــوانـيـن عــلـى قــيـــاســهـــم، لا تــنـــاســـب أحـــدا ســـواهـــم. كـمـا نـــراهـــم يــتــعـــدون الــقـــوانــيـــن، ويــتــفــاخـــرون بــأنــهـــم يــطــبــقـــونـهـا، إنــمـــا فــقـــط عــلـــى الـضـعـــفـاء والــمــســـاكــيـــن والــعـــزل. ألـيـس هـذا مـا حـصـل فـي مـلـف تــفـجــيــر الـمـــرفـــأ الـذي مـا زلــنـا نـنـتـظـر انـتـهـاء الـتـحـقـيـق فـيـه؟”.
وقال: “إن مـــا يــمــيـــّز الــمــشـــرع الإلــهــي عــن مــشـــرعـــي الأرض، والــحــاكــم الــســمـــاوي عـــن حــكــام الأرض، هـــو الــصــدق والأمــانــة لــلــعــهــد وإقــران الــقــول بــالــفــعــل. ربــنــا لــم يــطــلــق الــشــعــارات ولــم يــكــثــر مــن الــتــصــاريـح بــل عــلــم بــحــيــاتــه وكــان الــقــدوة. لـــم يـعـلـم الــنــاس بـالـكـلام أن يـحــبــوا بــل أحــب حــتـى بــذل نــــفـــســه عــلــى الــصــلــيــب. لــم يــعـــلـــم الــيــهــــود بـالـــقـــول احــتــرام الــشــريــعــة بـــل طــبــق أحــكـــام الــشـــريــعــة وســما بهـا فـجــعــلـهـا عــهــد مـحـبة وأخـوة ومــساواة واحــتــرام، عــهــد عــدل ورحــمــة وإنـصـاف. إن لــم يــتــعــلــم مــلــوك الأرض وحــكــامــهــا مــن الــمــلــك الإلــهــي ســيــبــقــون فـي الــظــلــمــة وظــلال الــمــوت. عــالــمــنــا شــبــيــه بــالأرض الــقــاحــلــة الــتــي يــقـــع فــيــهــا الـحـــب الــــــذي بـــذره الـــزارع ولـــم يــنــبـــت لأنــهــا لـــم تــتــقــبــل الــبــذار. هــكــذا كــلــمــة الله لا تــدخــل قــلــوب كــثــيــريــن ولا تــفــعــل فــعــلـهـا فــيهـا لأنهــا رفــضـتــهـا. الــمــطــلــوب انــفــتــاح الــعــقــل والــقــلــب وتــقــبــل كــلــمــة الله الــتــي تــدعــونــا إلــى تــقــبــل الآخــر ومــحــبــتــه والـمـحـافـــظـــة عــلـيـه واحـتـرام حـــريـتـه لا الـتـعـدي علـيهـا وقـمـعــهـا كـــمـــا يـحـــصـل في بـلـدنـا”.
وأضاف: “فــي مــســتــهــل هــذا الــعــام الــجــديــد نــرفــع الــصــلاة إلــى رب الــكــون كــي يــحــفــــظ هــذا الــبــلــد مــن كــل شــر ومــكــروه، ويــلــهــم الــمــؤتــمــنــيــن عــلــيــه كــي يـعــمــلــوا بــجــهــد وتــفــان وإخــلاص مـــــن أجــــــل إنــقـــــاذه. وعــنــاويـن الإنــقــاذ واضـحــة. فـانـتــخــاب رئـيــس لــلــبــلاد ثــم تــشــكــيــل حــكــــومــة تــجــري إصــلاحــات جــديـــة وجــذريــة هــي الــطــريــق الــوحـيـد لــلــخــروج مــن الإنــهـيــار. الـــتــبــاكــي لا يــنــفــع والإســـتـــعـــــطــاء لا يــجــدي. لا يــمــكــنــنــا أن نــطــلــب مــن الــخــارج مــســاعــدتــنــا إن لــم نــســاعــد أنــفــســنــا. عــلــيــنــا جــمــيــعــا أن نــهــب لإنــقـاذ بـلـدنـا، كــل فــي مــجــالــه”، سائلاً “هــل أصــبــح انــتــخــاب رئــيــس تــفــصــــيــلاً فـــي دولــة مــفــكــكــة، ومــجــلــس نـــواب مــبــعــثــر، وأطــراف تــتــقــاذف الــمــســؤولــيــة، وفــي جـــو تــشــنــج وتــحــد وضـــرب لــلــدســتــور وتــجــاوز لاتــفــاق الــطــائــف الــذي يــتــمــســك بـــه الــجــمــيــع قـــولا ويــخــرقــونـــه بــأفــعــالــهـــم الــيــومــيــة؟”.
وأردف: “أمــلــنــا أن يــنــتــفــض الــنــواب الــمــدركــون أهــمــيــة دورهــم، عــلــى الــوضــع الــقــائــم، ويــطــالــبــوا بــتــطــبــيــق الــدســتـــور، والــشــروع بــفــتــح جــلــسـة انــتــخــاب لا تــخــتـــم إلا عــنــد انــتــخــاب رئــيـــس قــادر عــلــى أن يــعــيــد لــلــرئــاســة دورهــا وهــيــبــتــهــا وقــدرتــهــا عــلــى الــتــواصــل والــحــوار وســلــوك طــريــق الــخــلاص، رئــيــس يـكـــــون فــعـــــلا رمـز وحـــدة الـــوطــن وحـامـي الـدسـتـور. وأي دسـتـور ســيـحـمـي؟ ذاك الـذي كـان مـرجـع الـرئـيـس شـهـاب، يـلـجــــأ إلـيـه فـي كــل الأمـور؟ أم ذاك الـذي انــتــخـب بـمـوجــبـه الـرئـيـس فـرنـجـيـه بـفـارق صـوت واحـد عــن مـنـافــسـه؟ أم الـدســتـور الـذي تـلاعـــبــوا بــتــفـســيـره وشــوهــوه؟ لـو كان الـتـوافـق عـلـى اسـم الـرئـيـس مـطــلــوبا لـمـا نـص الـدســتـور عـلـى انــتـخـاب رئـيـس بـل عـلـى تـعــيــيــن رئــيــس”.
وختم عودة: “لــيـــس لـــدى الــمـــؤمـــن ســـوى أن يـــرفـــع الـــدعـــاء إلـــى الـــرب مـــن أجـــل الــحــصـــول عــلـــى الــخـــلاص، وعــلـــى قـــوة الــصــبـــر والاحــتــمـــال إلـــى حــيـــن تــحــقــيـــق هـــذا الــخـــلاص. لــهـــذا، نــصــلـــي مـــع الــقـــديـــس بـــاســيــلــيـــوس الــكــبــيـــر الــقـــائـــل: «أذكـــر يـــا رب شــعــبـــك، وارحــمــهـــم بــعــظـــيـــم رحــمــتـــك. إمـــلأ خـــزائــنــهـــم مـــن كـــل خــيـــر. إحــفـــظ زيــجـــاتــهـــم فـــي ســـلام ووئـــام. رب الأطــفـــال. هـــذب الأحـداث. شــدد الــشــيــوخ، إجــمـع الــمــتـفــرقــيـن. رد الــضـــالــيــن، رافـــق الــمــســـافـــريــن. إعــتـــن بـــالأرامـــل. أعــضـــد الــيــتـــامـــى. أنــقـــذ الأســـرى. إشـــف الــمـــرضـــى، أذكـــر أيــهـــا الـــرب إلــهــنـــا شــعــبـــك كــلـــه، وأســبـــغ عــلـــى الــجــمــيـــع رحــمــتـــك الــغــنــيـــة، افــتــقـــدنـــا بــخــيـــريــتـــك وتــجـــل لــنـــا بـــرأفــتـــك الــغـــزيـــرة. هــبــنـــا الأهـــويـــة مــعــتـــدلـــة ونـــافــعـــة، جـــد عــلـــى الأرض بـــأمــطـــار هـــادئـــة لإنــتـــاج الــغـــلات، بـــارك مـــدار ســنـــة خــيـــريــتـــك، أخــمـــد تــشـــامـــخ الأمـــم، إقــبــلــنـــا جــمــيــعـــا فـــي مــلــكـــوتـــك مــظــهـــرا إيـــانـــا بــنـــي الــنـــور وبــنـــي الــنــهـــار، هــبــنـــا ســـلامـــك ومــحــبــتـــك»، آمــيـــن”.