خاص الهديل:
يوجد داخل النقاش حول كيفية إتمام استحقاق انتخاب رئاسة الجمهورية، نقاش يراه البعض أهم من نقاش انتخاب فخامة الرئيس؛ وهو يتعلق بالسؤال عن من هو دولة الرئيس الثالث الذي سيكون رئيس حكومة الوزراء خلال عهد رئيس الجمهورية العتيد.
وهذا النقاش تمليه حقيقة أنه بعد أن دخل لبنان دستور الطائف أو جمهورية الطائف حسب تعبير البعض، فإن دولة الرئيس الثالث مع حكومته مجتمعة، صار هو مضمون السلطة ومعنى الحكم في لبنان؛ أما رئيس الجمهورية فصار موقعه داخل إدارة الحكم، أقل أهمية.
..وعليه فإن السؤال الأهم في هذه الفترة، ليس حسب ما يقال على الإعلام وفي التصريحات العلنية، ضرورة انتخاب فخامة الرئيس العتيد، ولكن ضرورة البحث عن دولة الرئيس الذي سيرأس أول حكومة في عهد فخامة الرئيس.
ويقال أن الرئيس الفرنسي ماكرون المتحمس لأداء ميقاتي كرئيس للحكومة، يرى أن مواصفات فخامة الرئيس يجب أن تكون “ميقاتية”.. وبكل الأحوال فإنه حينما سينطلق البحث الدولي والداخلي الجدي عن هوية رئيس الجمهورية، فسيكون البحث جار بنفس الوقت عن هوية دولة رئيس الحكومة.
لقد كان لافتاً أنه يوم تم حل أزمة انتخاب رئيس الجمهورية في العراق لم يتم الإعلان حينها فقط عن انتخاب الرئيس العراقي الجديد؛ بل في نفس يوم انتخابه وفي نفس الجلسة تم أيضاً إعلان الإتفاق عن اسم رئيس الحكومة العراقي الجديد.
وغالباً ما يتم النظر للأحداث في لبنان على أنها امتداد للأحداث في العراق ومحاكاة لها؛ والسبب في ذلك ليس تشابه الموقعين الجيوسياسي بين البلدين؛ بل لأن البلدين يتفاعلان في نفس مشروع الصراع الجيوسياسي، وفي نفس تجربة تأقلمهما الصعب مع الحل السياسي الداخلي المتمثل بالدخول إلى جمهوريات الطائف المعد دولياً ليكون الحل الداخلي لصراعات الطوائف في كل دول المشرق..
..وإذا كان الدوليون والإقليميون والعراقيون تعاملوا مع ملفي رئيسي الجمهورية والحكومة في العراق على أنهما ملف واحد، مع إعطاء أهمية احتفالية لإسم فخامة الرئيس، وأهمية عملية لهوية دولة الرئيس؛ فإن لبنان سيسلك نفس سيناريو الحل العراقي، حيث لن يكون هناك في لبنان اتفاق منفرد على إسم رئيس الجمهورية، بل معه وقبله وربما بالأساس، سيكون هناك اتفاق على هوية وإسم رئيس الحكومة.
..والحقيقة التي يتم التغاضي عنها حالياً رغم وضوحها، هي أنه ليس لبنان فقط، بل كل دول المشرق، من لبنان إلى العراق مروراً بسورية، تتفاعل وتعيش أزمة التأقلم مع موجبات جمهورية الطائف المطلوب دولياً تطبيقها وتعميمها في كل دول المشرق: وعليه يلاحظ أنه بعد إجراء الإنتخابات النيابية في كل من العراق ولبنان، التي جاءت بعد انتفاضات ٢٠١٩ الشعبية فيهما، برزت داخل البلدين أزمة عدم القدرة على تشكيل حكومة جديدة، ومن ثم تفرع عن هذه الأزمة عدم القدرة على انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ففي لبنان كان المطلوب بعد الإنتخابات النيابية وقبل انتخابات رئاسة الجمهورية، وكمدخل لمرحلة انتخاب فخامة الرئيس، تشكيل حكومة جديدة أو إجراء تعويم لحكومة ميقاتي لتصبح حكومة أصيلة ولا تبقى حكومة تصريف أعمال؛ والهدف من ذلك استمرار الحكم الذي مصدر النبض به في دستور الطائف، هو الحكومة مجتمعة ورئيسها. وفي العراق كان المطلوب بعد الإنتخابات النيابية تسمية رئيس وزراء جديد حتى يتم نقل الحكم، وكان مطلوباً انتخاب رئيس جمهورية حتى يتم استكمال شكل الرزنامة الدستورية الإنتخابية؛ ولذلك فإن مشهد الحل في العراق بدأ مع الاتفاق على تسمية السوداني رئيساً للحكومة، رغم أن تسميته جاءت ضمن إخراج إبراز احتفالية تسمية رئيس الجمهورية؛ وفي لبنان سيتم داخل حل احتفالية انتخاب فخامة الرئيس، التوصل للاتفاق الضمني والسياسي على الحل الأكبر، وهو تسمية دولة رئيس الحكومة.
قصارى القول أنه في العراق كان انتخاب رئيس الجمهورية استكمالاً، وليس بداية للحل الأكبر، وهو الاتفاق على رئيس الحكومة؛ وفي لبنان يبدو بالظاهر أن الأزمة الآن هي إسم رئيس الجمهورية؛ ولكن في العمق فإن الحل الكبير سيكون بالاتفاق على هوية “دولة رئيس الحكومة” و”وزراء الحكومة مجتمعة” في “عهد فخامة الرئيس الجديد” الذي لم يعد هناك اتفاق على مصطلح تسمية فترة رئاسته “بالعهد”، لأن صلاحياته نقلت لعهدة الحكومة مجتمعة..
وعلى هذا، فإنه حالياً وخارج التفكير المعلن، يتم مراعاة فكرة أن إسم “رئيس البلاد” يجب أن يتناسب مع هوية “حاكم البلاد” أي “دولة الرئيس وحكومته مجتمعة”.. وحتى في سورية فإن أزمتها وحربها الداخلية والخارجية، لا تزال مستمرة؛ بسبب أنه لم يتم بعد الإتفاق بين النظام السوري من جهة والمعارضة السورية والدول التي تدعمها من جهة أخرى، على حجم الصلاحيات التي ستنقل من “سيادة رئيس الجمهورية” العلوي إلى “دولة رئيس الحكومة” السني، بحيث يصبح نظام الحكم في سورية على وزن جمهوريات الطائف في دول المشرق العربي.