خاص الهديل:
بالعادة يتم البحث عن تسويات وعن سلام لإنهاء الأزمات المزمنة.. ولكن هذه القاعدة صحيحة في مناطق كثيرة من العالم عدا منطقة المشرق العربي. وهناك نظرية تتسع دائرة القائلين بها، وفحواها أنه آخر ترتيبات إنهاء الحرب العالمية الثانية جرت من خلال تقسيم المشرق بين بريطانيا وفرنسا على حساب الرجل المريض التركي. وعليه فإن أول ترتيبات الخروج من نتائج الخرب العالمية الثانية سيكون إعادة تفكيك الترتيبات الفرنسية الانكليزية في المشرق العربي، وذلك ضمن أدوار جديد، ستعطى للرجل الذي كان مريضاً بعد الحرب الكونية الثانية، واليوم اكتنزت صحته خلال الحرب الكونية الثالثة غير المعترف بها. وأيضاً للمظلة السورية التي كانت ولاياتها شجرة ورافة الظلال باتجاه بعض لبنان، الخ..
إن الفكرة هنا تنقسم إلى ثلاثة تطلعات لمستقبل منطقة المشرق العربي المتسمة بأنها منطقة تعج بالأقليات الدينية والقومية، ومنطقة لم تشهد إستقراراً مستديماً منذ نيل دولها استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية..
التطلع الأول لمستقبل المنطقة يعتمد على قدرة إسرائيل على التكيف مع مستلزمات السلام مع الفلسطينيين.. فالعرب دفعوا كل الثمن من أجل السلم مع إسرائيل، ومن أجل التكيف مع قبول إسرائيل كدولة طبيعية في المنطقة؛ وباتت إسرائيل تملك اتفاقات سلام معلنة وشبه معلنة واتفاقات تأمين حدود ثناية برية وبحرية، مع معظم الدول العربية في المنطقة؛ وهذه الاتفاقات بين تل أبيب والعرب أصبحت أو هي في طريقها لتصبح أكثر من الاتفاقات بين الدول العربية نفسها.
وعلى هذا فإن الكرة اليوم في ملعب إسرائيل لتبرهن أنها ناضجة لإنشاء سلام مع الفلسطينيين وأنها مستعدة لدفع ثمن السلام الذي يؤمن لها حياة طبيعية بجوار العرب والمسلمين.
حتى الآن لا يبدو أن المجتمع الإسرائيلي جاهز للسلام مع الفلسطينيين وللتخلي عن نظرته لنفسه كقوة تستطيع قهر شعب والسيطرة على أرضه. والواقع أن نتائج الإنتخابات الأخيرة في إسرائيل لا تقول فقط أن أقصى اليمين الديني الإسرائيلي فاز بالإنتخابات، بل تقول أيضاً أن المجتمع الإسرائيلي يتجه أكثر فأكثر نحو اعتماد العنصرية الدينية ضد العرب الفلسطينيين.
التطلع الثاني لمستقبل المنطقة يتصل أولاً بخراب سورية والنجاح بإخراجها من ميزتها الهامة المتعلقة بموقعها الجيواستراتجي؛ ويتصل ثانياً بخراب لبنان، وإخراجه من دوره الريادي المصرفي والخدماتي التجاري والثقافي في منطقته، ويتصل ثالثاً بخراب العراق وتجريده من مصادر قوته كواحد من أغنى وأقوى دول المنطقة.
وفي الأفق المنظور يبدو أن القرار الدولي باستمرار خراب هذه الدول وتغييب أدوارها وميزاتها مستمراً، وأيضاً يبدو أن قوى التخلف الداخلية المسيطرة في هذه الدول، مستمرة بممارسة أدوارها وسياساتها الداخلية التي تسهم عن قصد أو غير قصد، بدعم أهداف المؤامرة الخارجية ضد بلدانها.
التطلع الثالث لمستقبل المنطقة يتصل برهان على تسوية كبرى تنتجها تفاعل التوازنات القلقة للأزمات الراهنة؛ أو حرب كبرى لا تزال وسائلها مفقودة تؤدي إلى تغيير توازنات استمرار الأزمة الراهنة.
..بالعادة يتم البحث عن فرص السلام لتعزيزها، ولكن في المشرق فإن الهدوء هو فترة التقاط نفس ليس من أجل انتظار أوان التسوية بل من أجل الإستعداد للحرب التي تنتج تسوية أو تمهد لحرب تليها، وهكذا.. وعليه فإن المنتظر اليوم في سورية ولبنان والعراق وصولاً لغزة ليس نتائج السلام المفقود بل نتائج الحرب المفقودة.