بقلم: شيخة غانم الكبيسي
حروف مُتشابكة، يثمر تراصها عن كلمات مفعولها سحري لصياغة جمل مفهومة ومُعبرة، لها عمق الأثر والتأثير في مرسلها ومستقبلها على حد سواء. فهي وسيلة للتعبير عن المشاعر والأفكار بين البشر كمستقبلين ومصدرين للطاقة، لكونهم يتأثرون بطاقة الكلام التي توصلها المشاعر عبر مفردات الكتابة والحديث.
ويؤكد علماء النفس تأثر الإنسان بالكلمات، فكلمة قد تنير طريقة وتبهجه، وكلمة أخرى قد تؤذيه وتجلب له الشقاء، وفسروا ذلك علميا بأن الكلمات الجميلة لها تأثير على بعض مراكز المخ التي تساعد على إفراز مادتي الأندروفين والنكيفالين اللتين تؤثران على مراكز الانفعال تحت المهاد والتي تؤثر بدورها على إفراز الغدد الصماء، لترفع مستوى السعادة لدى الفرد.
كما أثبتت العلوم الحديثة أن الكلمات التي تحمل طاقة سلبية وتجرح الإنسان، كالكلمات المؤذية، تسبب جروحاً حقيقية في الدماغ، وتميت عدة خلايا أو تتلف عملها مسببة نوعاً من العطل في التفكير، وهو ما يفسر ما يعانيه الشخص المتضرر من آلام نفسية وشعور سلبي وإحباط قد يقوده جرح هذه المفردات السامة إلى الفشل في العمل أو التعليم أو الحياة بشكل عام.
فالكلمة عبارة عن طاقة عظيمة تتشكل على أساسها الأنفس، ولعلها أفضل دواء للنفس والروح، لأن قوة الكلمة لا تعادلها قوة، فهي تمس الروح والعقل والقلب، فيكون تأثيرها أكبر في الأذهان والنفوس.
الكلمات تمنح الإنسان أجمل ما عنده من أحاسيس ومشاعر من خلال الحروف، إن كانت طيبة تغلغلت كالسحر بالقلوب لتغسل أرواحنا وتطهرها من أي كبوة، وتنثر عطرها بنفوسنا لتزهر وتنتعش لأن للكلمة تأثيرًا كبيرًا على عقولنا كما تتحكم في مسار تفكيرنا وردود أفعالنا، حيث تترك الكلمات الطيبة طاقة إيجابية في الدماغ وأثرا كالذي يخلفه تناول السكر أو العسل، فيعتدل مزاجنا ويقبل على الحياة بسلوك إيجابي.
وفي المقابل فإن الكلمة السلبية تدمر طاقة الإنسان الروحية لتصيبه بالاختناق والاكتئاب وتشعره بعجزه وفشله وتحبط كل مقومات القوة النفسية لديه.
ولشدة تأثير الكلمة الطيبة والسلبية على الإنسان فقد ضرب الخالق العظيم بها المثل وأجرى عليها التشبيه في محكم كتابه بالشجرة الطيبة والشجرة الخبيثة. وأمرنا بالقول المعروف، الميسور، الحسن، الكريم، اللين، وأثابنا عليه.
لأن فن الكلام وانتقاء العبارات هو من أهم المهارات الاجتماعية التي علينا جميعاً التحلي بها، ليس فقط من أجل أن نقول أو نستمع لهذه الكلمات من الآخرين بل من أجل أن ندرب عقولنا على تفعيل المفردات الإيجابية التي نقولها ونرددها بداخلنا لأنفُسنا.
متى ستقتنع أن نفسك من الداخل تسمعك وتصدقك؟ متى ستستمع لصدى كلماتك؟ وستلاحظ الفرق الذي تُحدثه الكلمات، عندما تقول لها قولا طيبا وترفع من شأنها.
حفزها وأكرمها وامتدحها بل وأحبها وأرسل لها العبارات الإيجابية لتصيغ لك بدورها الحياة التي تستحقها، مبتعداً عن كلمات التأنيب ومفردات التعذيب النفسي، متسلحاً بالأمل والنوايا الجميلة ليردد لسانك قناعاتك وينطق عذب الحديث.
فأجمل الكلمات تلك التي ترسم ابتسامة على وجوه مستمعيها وتبشر بالأمان وتزرع الأمل وتوقظ الأحلام وتخلق الفرح والسعادة، اجعل الكلمة التي لا تلقي لها بالا إكسيراً يُخلد ذكراك بقلوب محيطك الخارجي ويحيي نفوسهم ليخرجهم من غياهب الألم المتراكم على كاهل أحدهم الذي لا تعلم عمق الجراح الغائرة التي تستكين فيه من منغصات الحياة التي خلفها الإخفاق المتكرر.
فجميل القلب ومعسول اللسان حقا هو من كان وراءنا يدفعنا إلى الأمام لنمضي قدما، وكانت كلماته جنبنا حين سقطنا وسط الطريق تحثنا على النهوض من جديد وبلوغ غاياتنا بعبق كلماته التي رافقنا طوال الطريق، فهو الذي كان بانتظارنا في نهاية المضمار وكان أول المصفقين لنا، الجميل هو الذي يزيل الظلمة التي تجتاح أحدهم من جراء تكاليف الحياة فقط بكلمة طيبة الأثر يخلفها على قلب أحدهم ويمضي، الجميل هو الذي يعطي السكون التام حين يكون داخلك يعج بالزلازل والبراكين، وهو الذي يرمم الكسور الكامنة فيك ويجبر الكسور الناشئة عن كل خيبة تلقاها قلبك، هو الذي يعالج التصدع المخبوء فيك فلا يتركك إلى أن يعيد توازنك الداخلي فقط بكلمات خرجت من القلب لتشفيك وترفه معنوياتك وتعيد الثقة لقلبك.
جميعنا نستحق هذا الرفيق ليُلملم شتاتنا، لأن جمال الكلمات وطاقاتها الإيجابية هي من أسمى ملامح إنسانيتنا ورقيها وتحضرها.