خاص الهديل:
هناك مسافة من الوقت الصعب مرّ على لبنان بين عام 2005 الذي شهد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وأيضاً انسحاب سورية من لبنان، وبين عام ٢٠٢٣ الذي تعاظم وقائع انهيار لبنان الدولة والإقتصاد..
وأبرز نتائج هذه المرحلة التي تدعو إلى القلق من أبعادها، هي أن المحكمة الدولية لم تقل في قرارها الاتهامي لماذا أقدم الفاعلون على اغتيال الحريري (؟؟)؛ وما هو هدفهم الاستراتيجي من ذلك.. وأية مؤامرة خارجية كانت تقف وراء جريمة الاغتيال؟؟..
وطالما أن قرار المحكمة الدولية لم يفند الأسباب العميقة التي تقف وراء جريمة الاغتيال، فهذا يعني أن القرار الدولي حكم على هذه القضية الهامة في تاريخ لبنان المعاصر، بأن تبقى من دون كشف موثق ودامغ ليس فقط لوقائعها، بل – وهذا هو الأهم – لأسبابها.
..واستدراكاً يمكن القول أنه طالما ظلت أسباب اغتيال رفيق الحريري مجهولة، فهذا يعني أن مستقبل بلد الأرز سيظل محل عدم يقين بخصوص معرفة ما إذا كانت جريمة اغتيال الحريري انتهت مفاعيل أهدافها السياسية بانتهاء ظروف تلك المرحلة، أم أنه كان ولا يزال لعملية اغتيال الحريري أهداف أبعد من مرحلة اغتياله، وذات صلة بمستقبل مجمل الوضع اللبناني داخل ظروف ما يحضر للمنطقة ولدولها من مشاريع وأدوار جديدة.
وبمعنى آخر فإن عدم كشف الأسباب الاستراتيجية التي تقف وراء اغتيال الحريري، تؤدي الى بقاء الأسئلة لمطروحة حول ما ينتظر لبنان في المستقبل القريب والمتوسط، من دون أجوبة شافية عليها.
والواقع أن لبنان لم يكن يريد من المحكمة الدولية فقط معرفة من فجّر موكب الحريري، بل لماذا تم اغتياله؛ وهل أسباب الاغتيال على صلة بمرحلة انتهت، أم أنها لا تزال مستمرة؟؟.
وما يدعو للنظر الى ملف اغتيال الحريري من زاوية علاقته بما ينتظر لبنان على المستوى القريب والبعيد، هو ان هذا الاغتيال حدث خلال مرحلة اتسمت بشيوع ظاهرة “العنف السياسي المكثف” في المنطقة، والتي اشتملت على اغتيالات كبار الزعماء العرب، بغض النظر عن الفوارق في المزايا الشخصية والسياسية بينهم: فبين عامي ٢٠٠٥ الذي شهد اغتيال الحريري والعام ٢٠١١ الذي شهد بدء تسونامي أحداث الربيع العربي الصاخب، يوجد ٦ سنوات فقط، اتسمت بالعنف السياسي المكثف؛ وحصل خلالها اغتيال الحريري في 14 شباط ٢٠٠٥، وأيضاً حصل خلالها حدث تسميم ياسر عرفات بنهاية العام ٢٠٠٤، وإعدام صدام حسين في ديسمبر ٢٠٠٦ في يوم عيد الأضحى، وكل هذه الوقائع كانت جزءاً من ظاهرة “العنف السياسي المكثف” التي شهدتها المنطقة.
وحتى الآن لم يوضح أي تحقيق دولي أو محلي، من كان يقف وراء إشاعة “مناخ العنف السياسي المكثف” في المنطقة خلال الفترة الممتدة منذ نهايات عام ٢٠٠٤ اتصالاً ببدايات العام ٢٠٠٥ حتى العام ٢٠١١؛ ولأي هدف تمت ممارسة هذا النوع من العنف المكثف التي تمثل بفتح باب الاغتيالات السياسية على مصراعيه؟؟.
واللافت أن كل الدول التي استوطنتها ظاهرة العنف السياسي المكثف، بين عامي ٢٠٠٤ و٢٠١١ والفترة التابعة لها الممتدة حتى العام ٢٠١٥، شهدت انهيارات واسعة النطاق؛ فالعراق بعد الغزو الاميركي وتبعات إعدام صدام، غرق في بحر عدم الاستقرار؛ ومشروع السلطة الفلسطينية بعد تسميم عرفات، دخل غرفة العناية الفائقة، ولبنان بعد استشهاد الحريري دخل مرحلة التخبط وصولاً لما هو عليه اليوم… وكذا الحال بالنسبة لليبيا التي قاد مقتل القذافي فيها إلى نهاية نظام، وبداية حرب أهلية لا تزال مستمرة.
والفكرة الأساسية التي تطرحها كل الملاحظات الآنفة تقود لطرح عدة أسئلة أساسية تدعو لاستمرار القلق على المستقبل في لبنان، وهي:
هل اغتيال الحريري كان جزءاً من قرار ببدء مرحلة اغتيالات لزعماء كبار في المنطقة، بغض النظر عن اختلاف سياساتهم ونوعية شخصياتهم، وذلك تمهيداً لإشاعة فوضى عارمة في المنطقة تسفر عن تبدلات جيوسياسية في دولها وأدوارها؟؟ وهل انتهى هذا المخطط، أم أنه لا يزال قيد التفعيل، ما قاد لاتخاذ قرار دولي بعدم الكشف عن أهداف اغتيال رفيق الحريري؟؟..
..واستدراكاً: هل فعلاً لم تتوصل المحكمة المدعومة من كل العالم، إلى معرفة اسرار هذه الجريمة؛ أم أن هناك قراراً دولياً لجعل محكمة كل دول العالم لا تتوصل للحقيقة، أو أن لا تعلن عن الحقيقة.
السؤال الثاني عن مستقبل الوضع اللبناني في ظل الإصرار الداخلي وربما الخارجي على عدم تمكين لبنان من الكشف عن الحقبقة في جريمة اغتيال العصر (رفيق الحريري) وفي جريمة انفجار العصر (مرفأ بيروت)!!؟ وهل إبقاء الغموض بخصوص هاتين الجريمتين يخفي وراءه جريمة سياسية أكبر تحضر لتغيير دور لبنان وهويته ولخارطة وجوده الحالية.