خاص الهديل:
قد يكون بإمكان حزب الله انتخاب سليمان فرنجية رئيساً فيما لو أمّن سمير جعجع نصاب عقد دورة الانتخاب؛ وبإمكان الأميركيين دفع البرلمان لعقد جلسة انتخاب ميشال معوض فيما لو نزل “الوحي الأميركي” على كل نواب البرلمان عدا نواب حزب الله، وبإمكان حزب الله الهروب من انتخاب معوض إلى تأييد انتخاب قائد الجيش جوزاف عون، فيما لو حشرت حارة حريك بخانة إما ميشال معوض أو قائد الجيش..
..وعليه، فإن إمكانية انتخاب رئيس “مواجهة” كفرنجية أو رئيس “غلبة” كمعوض أو رئيس “تسوية” كجوزاف عون، موجودة، ولكن لا أحد يريد أن يكون هو المبادر في الذهاب جدياً لانتخاب فخامة الرئيس..
وتختلف أسباب هذا الموقف من طرف لآخر، فحزب الله لأسباب ذات صلة بالخلاف بين حليفيه فرنجية وباسيل يفضل الانتظار حتى “يلين العم والصهر” من موقفيهما تجاه فرنجية، وأيضاً حتى تنضج أكثر مقبولية فرنجية مسيحياً.. وبالأساس ان حزب الله ينتظر ليرى ما إذا كان الخارج سيذهب لتسوية رئاسية في لبنان، وحينها فإن هذا الخارج سيكون مضطراً ليتكلم مع حزب الله بخصوصها.
..أما واشنطن فهي “المشكلة والحل” نظراً لظروف أن لبنان فاقد لإرادة انتاج رئيس من “عندياته”، وهو ينتظر الخارج حتى يسهل عملية انتخاب فخامة الرئيس..
وتقع المشكلة ليس فقط في أن واشنطن لا تؤيد التدخل في الحل اللبناني، بل هي لا تهتم بمجمل الوضع اللبناني.. وفي السياسة، فإن اتخاذ بلد كبير بحجم أميركا موقف اللامبالاة تجاه بلد صغير مثل لبنان، فإنما هذا يعني أن البلد الصغير يحتضر فوق سرير الخارطة الدولية.
..والواقع أن التجارب الأميركية الأخيرة مع لبنان، تدعو للقلق، كونها برهنت أنه من منظار أميركي، فإن وارد المضي بخيار تدمير لبنان اقتصادياً، هو خيار وارد أميركياً بدليل أن إدارة ترامب فكرت به؛ وبرهنت أيضاً في مناسبة ثانية أنه من منظار أميركي فإن غاز لبنان أهم من لبنان، وأن الغاز هو كل ما تريده أميركا من لبنان حسبما تصرفت إدارة بايدن التي قالت نائبة وزيرة خارجيتها مؤخراً أنه “من الأفضل ترك لبنان ينهار كلياً”..
..أما الفرنسيون فهم اعتادوا في الفترة الأخيرة أن يقولوا لمحادثيهم اللبنانيين، أن أحداً في العالم غير باريس لا يهتم بلبنانز. ولكن فرنسا لا تستطيع وحدها أن تفعل شيئاً نوعياً لبلد الأرز، خاصة وأن “أهل الحل والربط” في لبنان ليسوا بوارد التضحية من أجل الحل..
..وهكذا يتبين أنه بمثلما أن هناك استعصاء سياسياً داخلياً بوجه حل أزمة لبنان، يوجد هناك أيضاً استعصاء سياسي خارجي بوجه حال الأزمة اللبنانية؛ وسبب الاستعصاء الخارجي – وهو العامل الأهم في حل أزمات بلد مثل لبنان – يتمثل بأن لبنان ليس موجوداً على أجندة أولويات واشنطن في هذه المرحلة.. ولو أن حل أزمة لبنان الداخلية، كان له فوق أجندة بايدن، نفس مكانة حل أزمة توقيع لبنان على الاتفاق البحري مع إسرائيل، لكانت أزمة انتخاب فخامة الرئيس وأزمة الاقتصاد اللبناني المنهار وأزمة لبنان مع العرب، تم حلها جميعها من قبل واشنطن بنفس السرعة التي جرى فيها حل أزمة توقيع لبنان على “اتفاق الترسيم البحري” الذي بات يعرف بـ”اتفاق قاريش”..
وهذا يعني أن نظرية أنور السادات التي كانت تقول أن ٩٩ بالمئة من أوراق حل الصراع العربي الإسرائيلي هي بيد أميركا، تنطبق أيضاً من وجهة نظر لبنانيين وعرب وأوروبيين كثيرين، على حل أزمة لبنان.. ولا يعارض هذه النظرية – إعلامياً على الأقل – سوى حزب الله الذي يقول أن ٩٩ بالمئة من أسباب تعطيل الحل لأزمة لبنان هي أميركا..
فيما خصوم حزب الله يقولون أن ٩٩ بالمئة من أزمة لبنان سببها إيران، أما ماكرون غير المتصادم مع حارة حريك، فهو الوحيد من بين كل الأوروبيين، الذي اكتشف أن ٩٩ بالمئة من أسباب استمرار الأزمة اللبنانية سببها إهمال لبنان دولياً وإقليمياً، وغربياً وعربياً.
والسؤال اليوم هو هل الإعلان عن الاجتماع الخماسي الدولي في باريس، هدفه – أقله من وجهة نظر واشنطن – الذهاب لمقاربة سبل البحث عن حلول لأزمة لبنان، أم هدفه الإستمرار في البحث عن “حبة اسبرين” للوجع اللبناني.