كتب عوني الكعكي:
قصة الخوري الذي وقع في النهر وهو لا يجيد السباحة، فحاول عدد كبير من الناس إنقاذه. قائلين له: “يا أبانا اعطنا يدك لننقذك”.. فلا جواب من “أبينا”.
جاء خوري كان يمر صدفة قرب مكان سقوط الخوري الأوّل، وقال للناس المحتشدين على ضفة النهر: “ابتعدوا وافسحوا لي المجال، فأنا أعرف كيف أنقذ هذا الخوري”…
وبالفعل قال الخوري الثاني للخوري الأول: “يا أبانا خذ يدي”. مدّ الخوري الأول يده وأمسك يد الخوري الثاني.
العبرة من هذه القصة ان هذا الخوري الغريق لا يعرف أن يعطي، انه يعرف فقط كيف يأخذ..
ومصيبة الرئيس السابق ميشال عون انه يشبه الخوري الذي يريد أن يأخذ كل شيء ولا يريد أن يعطي شيئاً.
وهذا بالفعل ما حدث مع الوزير السابق سليمان فرنجية الذي تنازل عن الرئاسة تحت مبدأ انه يريد أن يعطيها للرئيس السابق خصوصاً وأنّ الوزير أمامه الكثير من الوقت، بينما الرئيس السابق أصبح في أواخر عمره… وليس عنده الوقت لينتظر أكثر.
من ناحية ثانية، لو أراد الزعيم الوزير فرنجية أن يتمسّك بموضوع الرئاسة لكانت كل الظروف تصب في مصلحته في ذلك الوقت، وبالأخص أنّ سوريا وبالرغم من بداية الحرب الاهلية كانت لا تزال تملك بعض أوراق الضغط والتأثير على القرار اللبناني.
كذلك فإنّ الحزب العظيم، لو تمسّك الوزير فرنجية بحقه بالوصول الى الرئاسة لكان الحزب محرجاً جداً، إذ ان الحزب يتمسّك بحلفائه وليس سهلاً عليه أن يتخلّى عن زعيم بحجم ابن فرنجية، بينما الرئيس السابق لا يحظى بتلك الصفة، والاتفاق اتفاق ظرفي، والحزب يدرك ان تاريخ الرئيس السابق في الاتفاقات غير مشجع. فعلى سبيل المثال ان الرئيس السابق أبرم اتفاقيتين مع “القوات اللبنانية”، وفي الاتفاقيتين نقضهما بكل سهولة وبدون خجل.
اما الزعيم فرنجية فهو رجل صاحب مبدأ أصيلٌ، تاريخه السياسي ثابت لا يتغيّر، وعندما يبرم اتفاقاً مع أي فريق فإنه لا يمكن أن ينكث به ويتراجع عنه.
كذلك، من صفات الزعيم فرنجية: التسامح.. وأكبر دليل على ذلك انه قبل ان يتصالح مع رئيس “القوات اللبنانية” د. سمير جعجع، بالرغم من ان الأخير متهم بقتل والده… وله كلام حول تلك القضية حين قال: نسامح ولكننا لن ننسى…
قلائل هم الزعماء الذين يتمتعون بهذه الصفة التي لا توجد إلاّ عند الرجالات الكبار من أمثال الزعيم سليمان فرنجيّة.
اليوم الاستحقاق الرئاسي بات في خطر شديد لعدة أسباب هي:
أولاً: أقوى فريقين سياسيين هما ضد الزعيم فرنجية، أعني “القوات اللبنانية” التي أعلنت بصراحة انها ضد الزعيم فرنجية… كذلك حليفه السابق الذي سلّفه الزعيم فرنجية الرئاسة بشخص الرئيس ميشال عون، ولولا ذلك لما حصل عون على الرئاسة. فباسيل لا يترك مناسبة، وهو الصهر “المفزلك” والقاصر، إلاّ ويعلن بصراحة انه ضد الزعيم فرنجية. أخيراً أنتقل الى مرحلة جديدة حيث بدأ يعلن انه يفكر جدياً بترشيح نفسه للرئاسة.
ثانياً: الحزب العظيم لا يستطيع أن يؤمن العدد الكافي من النواب لانتخاب الزعيم فرنجية… وهو بحاجة الى أصوات مسيحية، خصوصاً وأنّ الاستحقاق هو مسيحي وطني.
ثالثاً: الشيء الوحيد الذي يستطيع الحزب فعله هو التعطيل كما حدث عند تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية السابق لمدة سنتين ونصف السنة حتى حصل “اتفاق معراب” حيث حصل على تأييد من “القوات اللبنانية” لانتخاب عون رئيساً للبلاد، وهذه كانت أكبر غلطة في التاريخ يتحمّل مسؤوليتها د. جعجع، وهي أوصلت البلاد الى جهنم.
رابعاً: أن يبقى الوضع كما هو عليه الآن، أي لا يوجد رئيس حتى يتم تدخل خارجي، وهذا غير متوفر حالياً.. ويمكن أن يكون بحاجة الى مزيد من الوقت.
أخيراً، يُقال: “غلطة الشاطر بألف”، ويبدو ان الشطار كُثر: من غلطة معراب الى غلطة التسامح من الزعيم فرنجية.. واللبنانيون يدفعون ثمن أغلاط زعماء لا يستحقون الزعامة كالرئيس السابق ميشال عون.
*المقالات والآراء التي تنشر تعبّر عن رأي كاتبها*