خاص الهديل:
https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers
تصر واشنطن على أن سيف العدل هو أمير القاعدة الجديد، وأن تربعه على رأس قمة القاعدة حدث عام ٢٠٢٣ بعد موت سلفه أمير القاعدة الظواهري عام ٢٠٢٢ بصاروخ أميركي أصاب منزله في كابل.
والواقع أن إعلان أميركا في هذه اللحظة أن سيف العدل هو أمير القاعدة الجديد، وهو خليفة الظواهري، له عدة معاني ودلائل تستوجب التوقف عندها:
أهم هذه الدلائل تتصل بأنه ليست هذه المرة الأولى التي يثار فيها اسم سيف العدل كأمير جديد للقاعدة؛ فلقد سبق للأمم المتحدة أن أعلنت هذا الأمر، ولكن الجديد الذي تتقصد واشنطن الإشارة إليه، هو أن سيف العدل يقيم في إيران.
..ومجرد هذه الإشارة الأميركية لمكان سيف العدل، يعني أن واشنطن بات لديها الحق بأن تقوم في أية لحظة بتنفيذ عملية عسكرية داخل ايران لاغتيال سيف العدل الذي يعتبر واحداً من أبرز القياديين داخل القاعدة المنتمين للجيل المؤسس من ناحية وللجماعة التي نفذت هجوم ١١ سبتمبر ضد الولايات المتحدة الأميركية.
لقد وصفت طهران إعلان واشنطن عن أن سيف العدل هو الأمير الجديد القاعدة، وعن إقامته بإيران، بالإعلان “المضلل”، وهو تعبير يريد الايحاء بأن واشنطن “تفبرك قصة سيف العدل” كي تمهد لإيذاء إيران إعلامياً وعسكرياً.
والواقع أنه بعد مقتل أسامة بن لادن، وبعد سطوع نجم داعش، فإن القاعدة دخلت في مرحلة من الأفول، والسبب في ذلك يعود لكون بن لادن كان يحتكر خلال حياته كل مصادر قوة التنظيم المادية والتنظيمية في يديه؛ ومعظم هذه المصادر ضاع أثرها بعد مقتله؛ وعليه، فإن الظواهري الذي كان يسمى بالرجل الثاني بعد بن لادن، لم يستطع بعد موت أميره بن لادن، ان يرث منه إلا تسمية أنه الأمير الجديد ، ولكن الإمكانات التي كانت بتصرف بن لادن لإدارة التنظيم المتشعب في كل أنحاء العالم لم تنتقل إليها، ولم يجد لها أثراً داخل خزائن التنظيم التي تركها بن لادن شبه خاوية.
وضمن هذه الظروف التي أحاطت بوراثة الظواهري لإمارة القاعدة كخليفة لبن لادن، تحولت إقامته في أفغانستان إلى نوع من اللجوء السياسي غير المعلن عنه؛ بينما كانت إقامة بن لادن في أفغانستان هي تعبير عن تحالف خلافة طالبان في دولة أفغانستان مع خلافة بن لادن الإسلامية الأممية. وهذا الفارق في نظرة معنى إقامة بن لادن في أفغانستان ومعنى إقامة الظواهري فيها؛ هو الذي ولد إحراجاً لدى أفغانستان نتيجة إقدام واشنطن على اغتياله في عاصمتها كابل؛ ما اضطرها إلى عدم اعترافها العلني بحصول العملية الأميركيةضد ضيفها اللاجئ المستظل في حماها، وبالتالي إلى عدم تأكيد موته (الظواهري) أو حتى إلى نفيه..
وبعد قول أميركا أنها قتلت الظواهري، لم تعلن القاعدة رسمياً عن تعيين خليفة له؛ بل تم تسريب شريط فيديو بصوت الظواهري، ما أثار جدلاً حول حقيقة موته كما تؤكد واشنطن، وعدم موته كما توحي أفغانستان.. غير أن الأكيد حسب متابعين لأخبار القاعدة؛ هو أن الظواهري قتل بصاروخ اميركي في كابل، وأن القاعدة من بعده دخلت في فراغ ما بعد الرجل الثاني في التنظيم، أي الظواهري الذي كان بدوره دخل مع التنظيم بعد موت بن لادن، في مرحلة فراغ ما بعد الرجل الأول والمؤسس في القاعدة.
وكل هذه المعطيات ذات الصلة بإعلان واشنطن عن الأمير سيف العدل، تؤشر إلى استنتاجات أساسية:
أولها أن سيف العدل هو شخصية حقيقية وموجودة وليست وهمية، ذلك أن سيرته موجودة في أرشيف قوات الصاعقة المصرية التي كان ينتمي إليها قبل أن ينحرف عن قيم الجيش المصري ويذهب لخيار الإرهاب والعمل ضمن تنظيم القاعدة.. ولكن ما يحتاج لإثبات دامغ هو ما إذا كانت القاعدة فعلياً اختارته خليفة للظواهري، بل ما يحتاج لدليل دامغ أكثر، هو هل القاعدة لا تزال تنظيمياً مركزياً قائماً، يوجد لها أمير وتسلسل تنظيمي متماسك وحديدي، ام أنها تحولت إلى خلايا مشتتة نتيجة موت بن لادن الذي أخذ معه الخارطة الخاصة بتوزع مفاصل هيكلية التنظيم الحديدي الذي يعيش في العتمة؟
الاستنتاج الثاني يتصل بوجهة نظر تقول أن الولايات المتحدة الأميركية ربحت وحسمت حربها الأمنية الاستراتيجية ضد القاعدة، وذلك عندما نجحت بقتل بن لادن الذي بموته تفكفكت مفاصل القاعدة، ولكن أميركا بالمقابل، لا تزال وستظل بحاجة لكسب الحرب المعنوية ضد القاعدة التي عبر تنفيذها لهجوم ١١ سبتمبر نجحت بهز ثقة المواطن الأميركي بقدرة دولته على تأمين الحماية المطلقة له… وعليه فإن أميركا معنية كل فترة بتسجيل انتصار معنوي جديد على القاعدة، وذلك من قبيل خروج رئيس الولايات المتحدة ليعلن عن نجاح جيش بلاده بقتل أمير القاعدة الجديد.. وهذا يعني أنه يوجد مصلحة لأميركا بأن لا تغيب القاعدة عن الوجود، وأن تبقى ولو بالشكل موجودة حتى يمكن لشاشة رادار العمليات الخاصة للسي آي إي، أن تتبع وتقتل أميرها الجديد؛ الأمر الذي يرمز لقدرة أميركا على استمرار انتقامها من قتلة مواطنيها..