خاص الهديل:
https://www.mea.com.lb/english/plan-and-book/special-offers
المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في بلدة حوارة والتي أدت الى مقتل وجرح عشرات الفلسطينيين، تركت ردود فعل عالمية توازي ردود الفعل التي تلت مجزرة دير ياسين خلال حرب احتلال المنظمات العسكرية الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية عام ١٩٤٨..
..وما يجعل مجزرة حوارة عام ٢٠٢٣ لها رمزية مجزرة دير ياسين عام ١٩٤٨، يعود لعدة أسباب:
أولها- قوة إعلام التواصل الإجتماعي الفلسطيني الذي بات له انتشاراً عالمياً بفعل اعتماده من قبل الشباب الفلسطيني داخل مناطق احتلال الـ٤٨ بخاصة ومناطق غزة والضفة من ناحية ثانية.. ولقد جعل اعلام التواصل الإجتماعي الفلسطيني كل مواطن فلسطيني بمثابة إعلامي ومراسل حربي وناشر وموثق ليوميات الوحشية الإسرائيلية ضد المخيمات والمدن الفلسطينية.
ثانياً- الرابط الرمزي الموجود بين مجزرة دير ياسين ومجزرة حوارة يعود لكون ما يجري اليوم من مجازر في فلسطين، يتم على أيدي جماعات الإرهابي بن غفير والمتطرفين اليهود اليمينيين، وهذه الفئات تذكر العالم بالمنظات اليهودية الإرهابية المتطرفة التي كانت تعتمد استراتيجية ارتكاب المجازر بحق التجمعات المدنية الفلسطينية من أجل ترويع الفلسطينيين لدفعهم لمغادرة أراضيهم وبيوتهم ليقيم فيها وعليها المستوطنين اليهود.. وعليه فإن مجزرة حوارة ليست فقط عملية انتقام إسرائيلية من المقاومة في وسط الضفة الغربية، بل هي بالأساس عملية ترويع لجعل الفلسطيني في الداخل يفكر بخيار الهجرة، ووضعه أمام واحد من خيارين اثنين: إما الحفاظ على حياته أو الحفاظ على أرضه!!..
ثالثاً- كما أن إطلاق النار من قبل جماعات الإرهاب اليهودي المنقادين من بن غفير على الجندي الإسرائيل، ومن ثم بعد ساعات قيام هذه الجماعات بالتعرض بالضرب المبرح لجندي إسرائيلي آخر، إنما هي أحداث تذكر العالم بعملية إقدام المتطرفين اليهود الصهيونيين على إغراق سفينة المهاجرين اليهود الى فلسطين وزهق أرواحهم فقط لمجرد رغبتهم بكسب التعاطف العالمي مع ما يسمونه بحق المستوطنين في فلسطين!!..
وأمس بدأت إسرائيل تعيش عدة مشاهد تعيد الواقع اليهودي في فلسطين المحتلة إلى أجواء ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي عندما كان المجتمع اليهودي منقاداً من منظمات صهيونية متطرفة تتبع جابوتنسكي ذا التوجهات اليمينية… كما أن إطلاق النار من قبل متطرفين يهود أمس على جندي إسرائيلي لأنهم يختلفون مع الجيش الإسرائيلي حول نسبة التشدد التي يجب أن تمارس ضد الفلسطينيين، يعيد الى الأذهان مشهد إقدام متطرف يهودي على اغتيال اسحق رابين لكونه يريد مقاربة حل سياسي مع الفلسطينيبن.
إن كل هذه المشاهد التي تعيد اسرائيل الى أجواء ما قبل العام ٤٨ إنما تؤشر الى أن مجيء تيار أقصى اليمين الى السلطة في إسرائيل، له هدف أساسي وهو تنفيذ خطة ترانسفير ضد الوجود الفلسطيني في القدس وفي مناطق الثقل الديموغرافي العربي داخل مناطق احتلال الـ٤٨ وداخل الضفة الغربية..
والواقع أن حكومة إسرائيل الحالية هي من حيث حيوياتها على جبهة الصراع مع الفلسطينيين لا يمكن تسميتها بحكومة نتنياهو بل مسماها الفعلي هو ” حكومة بن غفير”.
وبهذا المعنى تعتبر حكومة بن غفير هي امتداد واستكمال لحكومة مناحيم بيغن الذي بنى مستوطنات في القدس والضفة ووضع بهدف أن تكون نواة “إعلان الثورة المسلحة على أية حكومة إسرائيلية تأتي بعده وتأخذ قراراً بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية واخلائها من المستوطنات” وأيضاً لتكون نواة “مقاومة حتى للجيش الاسرائيلي بالقوة في حال تحرك لتنفيذ سياسة أية حكومة تريد مهادنة الفلسطيني أو التنازل عن الأهداف الصهيونية في فلسطين”(!!!) ..
وانطلاقاً مما تقدم يمكن فهم “دبلوماسية التوسل الفلسطيني” التي اتبعها أمس في الأمم المتحدة مندوب فلسطين إليها رياض منصور الذي قال للمجتمع الدولي أن الشعب الفلسطيني بعد مجزرة الحوارة يطالب بالحماية الدولية .. ثم قال منصور ما معناه أنه إذا كان المجتمع الدولي لا يريد أن يأتي الى فلسطين لحماية أهلها من حكومة بن غفير، فعليه على الأقل القيام بتحرك عملي ولو رمزي من قبيل إرسال وفد أممي للاطلاع عن كثب على ارتكابات العصابات الرسمية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين المدنيين..
والواقع أن الشعب الفلسطيني يحتاج في هذه المرحلة لحضور أممي في فلسطين حتى يضمن عدم تجرؤ حكومة أقصى اليمين على تنفيذ قرارها المضمر بغرض عملية ترانسفير كبيرة على الشعب الفلسطيني؛ علماً أن مثل هذه الخطة موجودة من أيام حكومات بيغن والليكود التي بدأت تتوالى على الحكم بعد عام ١٩٧٨.. وهذه الخطة تقوم على عدة نقاط:
أولها تحييد الحكومة الإسرائيلية من قبل اخضاعها لمنطق ما يريده المستوطنون؛ وبذلك تصبح الشرعية بخصوص إدارة الصراع مع الفلسطينيين موجودة مع المستوطنين، وليس مع الحكومة المقيدة بمراعاة المواقف الدولية، بينما المستوطنون في حل من ذلك… وباختصار تريد هذه الخطة تحرير الموقف الرسمي الاسرائيلي من قيوده العالمية، وترك موضوع عملية تهجير الفلسطينيين من فلسطين مسؤولية المستوطنين غير المبالين بمراعاة الموقف الدولي الهش أصلاً.
..وحالياً بات هذا العنصر الخاص بتحييد الحكومة متوفراً في اسرائيل، بدليل أن جناح اليمين الأقصى المنقاد من بن غفير داخل حكومة نتنياهو يتجه ليأخذ شرعية إدارة الصراع مع الفلسطينيين من الجناح اليميني التقليدي الرسمي المحسوب على نتنياهو داخل الحكومة.
النقطة الثانية: شل عمل الجيش الإسرائيلي فيما يتعلق بمهامه لاحتكار العنف وإعاقة تنفيذ المستوطنين لخطتهم التي تقوم على ارتكاب اعتداءات ومجازر ممنهجة ضد الفلسطينيين تؤدي في النهاية لتهجيرهم وليس فقط لقمعهم. وأمس بدأت جماعات بن غفير بتنفيذ هذه الخطة من خلال إقدامهم على ضرب جندي وإطلاق النار على آخر لمجرد أنهما كانا في مهمة حفظ الأمن.. ومن وجهة نظر خطة المستوطنين فإن عيب مهمة الجيش هو أنها تقتصر على قمع الفلسطينيين، بينما مهمة المستوطن تشمل قمعهم وتهجيرهم في آن واحد.
والواقع أن هذا النوع من الأحداث الذي حصل خلال الأيام الأخيرة (إحراق المستوطنين لمنازل فلسطينية وتنفيذ مجزرة حوارة، الخ..) يريد إيصال رسالة للفلسطيني وللقرار السياسي الاسرائيلي والعالمي تقول أن الشرعية في المواجهة مع الفلسطيني هي مع المستوطن اليهودي وليست مع نتنياهو ولا مع الأمم المتحدة..